المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المجتمع والشركات: مَن الذي يجب أن يتحمّل المسؤولية تجاه الآخر؟!.. (2 من 3)


مخاوي الليل
02-02-2009, 12:19 PM
المجتمع والشركات: مَن الذي يجب أن يتحمّل المسؤولية تجاه الآخر؟!.. (2 من 3)



د. محمد بن يحيى آل مفرح
على الشركات أن تتحمل مسؤوليتها تجاه المجتمع أولاً:
لقد تسارعتْ التغيرات حتى أصبح إنفاق المؤسسات الخاصة على العمل العام الذي يهدف إلى خدمة المجتمع، جزءاً واجباً من نشاطها الذي عليها أن تمارسه لتحقق أهدافها المادية وغير المادية، مثلها في ذلك مثل المؤسسات الحكومية وغير الهادفة للربح أصلاً، فالجميع عليه واجب القيام بدور متميز تجاه المجتمع كائناً ما كان تخصصه ومجاله.
ولا تكاد تخلو مؤسسة خاصة أو رجل أعمال من الاهتمام بالمجتمع وتقديم النفع له والحرص على التواصل معه.. وذلك ليس جديداً ولا غريباً علينا.. فبلادنا لديها رصيد كبير من المبادرات الاجتماعية بسبب ما نشأنا عليه من قيمٍ دينية سامية بفضل الله. وحتى مع الدور الواسع للحكومة في التنمية والرعاية الاجتماعية فقد تواصلتْ مساهمات الأفراد والشركات على مرّ العقود السابقة، واتجه بعضها إلى المجتمعات الأخرى متمثلة في المدارس والمستشفيات والآبار والمراكز الحضارية وغيرها.
لقد ظلّتْ المشاركات الاجتماعية لسنوات تعتمد على المبادرات الفردية والعمل غير المؤسسي، إلا أنه ومع زيادة دور القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية.. وضغط الحاجة إلى تحقيق تكاملٍ وتعاون بينه وبين الدولة لتنمية المجتمع.. بدأت تلك المبادرات تأخذ شكلاً منظماً بأهداف واضحة واستراتيجيات معلنة تحت مظلة " المسؤولية الاجتماعية" وتتحوّل لتنتقل إلى خانتها الصحيحة وتُدرج في الميزانية العمومية تحت بند المساهمات الاجتماعية.. أو بغرض التسويق للشركات كما هو ظاهر في عديد من المؤسسات.. وعليه فلابدّ من التأكيد على أن الفرق كبير بين المرحلة السابقة التي اعتمدت على المبادرات الفردية، وبين ثقافة الواقع التي تتطلب برامج تنموية تحقّق التنمية المستدامة التي تساند جهود التنمية المتكاملة، ومن أنه لابدّ من أن تكون النظرة العميقة إلى المسؤولية الاجتماعية باعتبارها مطلبا دينيا وواجبا وطنيا، تنطلق من نظرة الإسلام الشاملة لمسؤولية المجتمع عن الفرد، وحقّ المجتمع على الأفراد، النظرة المتكاملة التي يفتقدها كثير من المجتمعات الأخرى.
ولذا رأينا ولا نزال نرى بفضل الله.. تزايد اهتمام الشركات بدورها الاجتماعي فتسامتْ من خدمات تطوعية اختيارية إلى واجب وطني نحو المجتمع.. وهناك تطوّر واضح في مستوى الوعي لدى متخذي القرار في القطاع الخاص إلى أنّ قيام الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية والتفاعل مع قضايا الناس واحتياجاتهم سيسهم في كسبها ثقة المجتمع واحترامه، ويزيد من قبولها في أوساط المستفيدين وإقبالهم على منتجاتها وخدماتها وأنشطتها.. وإلى أن المسؤولية الاجتماعية ليستْ نوعاً من الترف أو بحثاً عن الوجاهة والظهور.. بل أصبحت جزءاً من حقّ المجتمع.. ولابدّ من الالتزام بأداء هذا الحق أولاً.. حتى يلتزم المجتمع بحقوق الشركة عليه.

عقبات حقيقية تحجّم تبني برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات:
من المهم أن يلاحظ المجتمع أن القطاع الخاص يقوم بدور اجتماعي فاعل.. ومن المهم أيضاً أن يعرف المجتمع أن زيادة هذا الدور مسألة اختيارية بشكل أو بآخر، لأن كلّ مؤسسة أدرى بظروفها وإمكاناتها وبالدور المطلوب منها. ومع ذلك.. فهناك عديد مِن شركات القطاع الخاص التي تواجه عقبات حقيقية تثبط رغبتهم في تبني برامج خدمة المجتمع والقيام بأدوار أكثر مسؤولية تجاه المجتمع.. ومن خلال تحليلي للعقبات أجد أنها تتمحور حول أربعة أمور:
العقبة الأولى: ضعف الوعي والمعرفة بالمسؤولية الاجتماعية لدى شريحة من رجال الأعمال والشركات، بل وغيابه تماماً لدى البعض الآخر، ووجود الخلط الواضح بين خدمة المجتمع ومفاهيم العمل الخيري.. ولا أنكر أيضاً وجود شريحة من المؤسسات التي تنعدم عندها الرغبة في تبني هذا الموضوع. بالأمس القريب فقط كنتُ أتحدث مع أحد ملاك الشركات العائلية الصناعية التجارية الكبرى وأخبرته بأنني سأنشر مقالاً في هذا الموضوع، فسألني بكل تلقائية وما معنى (المسؤولية الاجتماعية)؟!
العقبة الثانية: عدم توافر المعلومات الكافية والدراسات والمسوحات البحثية عن احتياجات المجتمعات المحلية من الخدمات والمشاريع التنموية اللازمة، وأزمة فقدان المعلومات ليست محصورة في هذا الموضوع.. بل هي مشكلة ظاهرة في كثير من نواحي حياتنا، ليست هناك معلومات موثّقة ولا إحصائيات دقيقة محدّثة ولا مصادر موثوقة.‏. وإنْ وُجدت فلا تدري كيف ولا أين يمكنك العثور عليها؟
العقبة الثالثة: العقبات المرتبطة بالجهات الحكومية مثل الروتين وعدم التعاون في إصدار التراخيص اللازمة.. وسوف أستعرض تفاصيل هذا الأمر في عنوان الفقرة التالية (مسؤولية الجهات الحكومية تجاه الشركات ورجال الأعمال).
العقبة الرابعة: قلة الخبرات التنفيذية التي يمكن أن تطوّر وتُدير جهود خدمة المجتمع في الشركات وتشرف على وضع معايير محددة لقياس جهودها وآثارها تجاه المجتمع. وليس خافياً – ولا عيبا - أن أغلب الجهات الكبرى التي أسست إدارات خاصة لخدمة المجتمع ما زالت توظف وتعدل وتدرب على أساسيات هذا الفكر، وإلى الأمس القريب أيضاً أذكر مسؤول إحدى كبرى الجهات المصرفية وهو يطلب منا مساعدته على إيجاد الكفاءات المتخصصة للعمل معهم.
في مثال توضيحي واحد بالأرقام يظهر أثر العقبات في الإحجام عن تبني برامج المسؤولية الاجتماعية من قبل الشركات.. يُوجد في السعودية قرابة نصف مليون رجل وسيدة أعمال أو أقل قليلاً ولا يوجد سوى أقل من أربعين مؤسسة اجتماعية تنموية؟، ويوجد مئات آلاف السجلات التجارية والشركات الكبرى المساهمة والعائلية والمحدودة والمؤسسات العملاقة.. ولا يُوجد سوى العشرات فقط من الشركات التي أسستْ برامج لخدمة المجتمع.. وذلك يعود بالدرجة الأولى للعقبات المحددة أعلاه.

مسؤولية (الجهات الحكومية) تجاه الشركات ورجال الأعمال:
نلمس الرغبة الصادقة في وجود شراكة حقيقية وملموسة بين أجهزة الدولة والقطاع الخاص، شراكة تقوم على تقدير كلّ جانب دور الآخر ومسؤولياته، وهو الأمر الذي يؤكده المسؤولون في الدولة مراراً تقديراً لجهود القطاع الخاص ومساهماته على صعيد التنمية، حتى إن وزير الشؤون الاجتماعية أكد دعمه وتشجيعه لإشهار أي جمعية تُسهم في تنمية المجتمع سواء صحياً أو بيئياً أو تعليمياً، وذلك من خلال سرعة الترخيص لها ودعمها بإعانة سنوية.
ولا شكّ أن القطاع الحكومي يقوم بدور اجتماعي فاعلٍ وكبير ويتحمّل أعباء لا يمكن تقدير حجمها لضخامتها، ومع ذلك فإنّ الجهات الحكومية يجب أن تُشارك فعلياً في دعم القطاع الخاص وتسهيل مهمته لخدمة المجتمع وذلك على مرحلتين:
المرحلة الأولى: إلغاء كلّ ما يمكن إلغاؤه مِن الإجراءات والرسوم الإدارية في سبيل تسريع استخراج التصاريح اللازمة لإطلاق أي مشروع مِن مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات.
المرحلة الثانية: تقديم التسهيلات والمميزات للشركات الخاصة وأصحابها نظير إسهاماتهم في خدمة المجتمع، مثل تسهيلات الاستقدام والتمويل من البنوك وإعطاء فترات السماح من البلديات وغيرها، لدينا "زكاة شرعية" يمكن للجهات المعنية التوجيه ببحث دراسة الحكم الشرعي في صرفها على برامج المسؤولية الاجتماعية بضوابط مقننة، مطلوب من مؤسسات الدولة أن تضع القوانين المحفزة لرجال الأعمال والتي تجعل من عطائهم حافزاً لإنجاح وترويج أنشطتهم التجارية انطلاقاً من كون الشركات والحكومات شركاء في تنمية المجتمع وشركاء في تنمية الأعمال التجارية أيضاً.
إننا رغم الاعتراف الرسمي بالدور الاجتماعي المتزايد للشركات وحرص عديد منها على تبني برامج المسؤولية الاجتماعية، إلا أننا مازلنا نشاهد المعوقات التي تحجّم القيام بهذا الدور ومنها الروتين والبيروقراطية، وعدم التعاون في تخصيص الإمكانات المطلوبة مثل الأراضي لإقامة المشاريع الاجتماعية - مستشفى أو حضانة أو مدرسة-، وعدم إعفاء استخراج التراخيص لهذه الأعمال من الرسوم أو التأمينات أو غير ذلك، فضلاً عن عدم وجود حوافز وتسهيلات مُعلنة من الأجهزة التنفيذية لتشجيع مبادرات رجال الأعمال، وعدم وجود نظام متكامل للتصاريح الخاص بالمؤسسات غير الهادفة للربح، والحساسية التي يتم التعامل بها من قبل بعض الجهات الحكومية عند رغبة الشركات في دعمها ومشاركتها.
أضف إلى ذلك عدم وجود أي خدمات خاصة تسهل إجراءات التراخيص وتشدد قوانين العمل في سبيل إقامة مشاريع استثمارية عملاقة مستقرة –صناعية وتجارية وعقارية- يمكن من خلالها توظيف أبناء المجتمع والإسهام في المسؤولية الاجتماعية‏. وانعدام ثقة رجال الأعمال بعدد من الأجهزة العامة لعدم توافر الشفافية، مما أدى إلى عدة مشكلات أخرى من أبرزها وجود ضعاف النفوس من أصحاب المصالح الشخصية‏ الذين يتسلطون على أصحاب الأموال المخصصة لخدمة المجتمع فيعطلون معاملاتهم باسم النظام حتى يحققوا ما يريدون.
إن هذا المحور يتضح أثره بشكل كبير إذا وضعنا نصب أعيننا أن مُعظم شركات القطاع الخاص تُعدّ متوسطة وصغيرة الحجم، وبالتالي فإنّ مساهمة القطاع الخاص ستبقى محدودة لأن معظم الشركات لم ُتخاطب ولم تهيأ لها الظروف الكافية.. وإذا أراد المجتمع دوراً اجتماعيا أكبر للقطاع الخاص فيجب منحه المزيد من التسهيلات والامتيازات.

هل العمل الخيري يقف في مقابل خدمة المجتمع؟
رغم نمو مساهمة القطاع الخاص فيما يتعلق بالدور الاجتماعي إلا أن جهوده تبقى بعيدة عن المعايير المنهجية ذات صفة الديمومة وقريبة من الصفة الخيرية‏، ومعظم الأعمال أقرب للمنح الخيرية تنحصر في أعمال مرتبطة بإطعام الفقراء وتوفير الكسوة لهم وغير ذلك مما تقوم به الجهات الخيرية المتخصصة. لذا نؤكد أن جهود المسؤولية الاجتماعية يجب أنْ تكون أداة مالية، أي أنه يجب على الشركات الاستثمار في المجتمع، ومع المجتمع.. ذلك لأن برامج المسؤولية الاجتماعية يجب أن تكون لها خصوصية الاستدامة التنموية وكذلك التقنين المالي والمحاسبي على أسس استثمارية.
في تجربة شخصية.. أحدُ رجال الخير من أبناء كبريات العوائل السعودية ومن العقول الرائدة الذين لهم إسهامات كثيرة في تأسيس الأنشطة التطوعية والخيرية.. أخبرني أنهم نظموا مشروع (صندوق القرض الحسن).. ثمّ لمْ يستطيعوا توفير رأسمال عامل مع أنه سيُعاد إلى المودعين مِن رجال الأعمال أو الشركات خلال فترات محددة إذا لم يتركوه وقفاً، ومِن العجائب.. أنني بعد فترة وقعتُ في خلاف مع أحد رجال الأعمال لأنه يريد مني (شخصياً!) أنْ أدير مبلغاً مالياً مرصوداً من قبل عائلته بشكل مماثل وهو ما اعتذرت عنه تماماً لأسباب كثيرة.
وهنا تظهر أهمية الدعوة إلى التعاون والتكامل بين القطاع الخاص والقطاع الخيري والتطوعي.. فالأخير يمكنه أن يقدم الكثير من الأعمال والأفكار والمشاريع والخبرات والكفاءات التي تكونت خلال عقود من العمل المتواصل.. ولا تخفى مصلحة القطاع الخاص في وجود جهات متخصصة ومتفرغة يمكنها التنفيذ والمساعدة في تحقيق أهداف الشركة، مخففة عنها العبء والجهد.. مع التأكيد أيضاً أن ذلك يجب ألا يكون على حساب استمرار برامج ومشاريع القطاع الخيري بشكل ناجح ومستمر.
مِن النماذج المتميزة في التكامل المنشود بين العمل الخيري والخاص نموذج إدارة خدمة المجتمع في بنك الجزيرة (برنامج خير الجزيرة لأهل الجزيرة) التي قامت بتمويل عدد من مشاريع الأسر المنتجة في محافظة الأحساء ومنطقة القصيم بالتعاون مع (جمعية فتاة الأحساء الخيرية) و(جمعية الملك عبد العزيز الخيرية النسائية في القصيم)، واعتمدت تدريب 20 فتاة في الغزل والنسيج بالتعاون مع (جمعية ماجد بن عبد العزيز الخيرية في جدة)، إضافة إلى تدريب 120 فتاة في أربعة مجالات (الخياطة المصنعية، واستخدام الكمبيوتر في الأعمال المكتبية للتأهيل الوظيفي، والتجميل والعناية بالشعر، وإعداد وتأهيل النادلات) بالتعاون مع (جمعية النهضة النسائية الخيرية في الرياض)، وتوقيع اتفاقية مع (جمعية العوق البصري الخيرية) لتدريب 74 كفيفاً وكفيفة على الكمبيوتر في منطقة الرياض ومدينة جدة ومدينة بريدة.