مخاوي الليل
02-02-2009, 12:25 PM
هل صمدت الشركات المساهمة السعودية أمام الأزمة العالمية؟
د. عبد الحفيظ محبوب
قدر بنك جولدمان ساكس تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الخليج في السنة الحالية من معدل 7 في المائة سابقا إلى نحو ما بين 2 و3 في المائة، وتوقع التقرير عن السعودية بشكل خاص أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بسبب اجتماع عاملين هما: انخفاض الإنتاج النفطي وتراجع الطلب من جانب القطاع الخاص.
لكن بنظرة أكثر تفحصا وأكثر تحليلا من النظرة الإجمالية, فإننا نجد أن الشركات المساهمة العامة في السعودية استطاعت أن تصمد أمام مأزق الأزمة المالية العالمية العنيفة التي انطلقت منذ الربع الأخير من العام الماضي 2008 رغم أن تداعيات الأزمة بدأت منذ منتصف عام 2007, ولكن هذه الشركات حققت تماسكا في نتائجها المالية العامة بتراجع طفيف قوامه 3 في المائة فقط, فقد استطاعت 122 شركة مدرجة في سوق الأسهم السعودية أن تحقق 101.7 مليار ريال (27.1 مليار دولار) من أصل 126 شركة مدرجة في سوق الأسهم في 15 قطاعا حيويا.
وفي نتائج الربع الرابع من عام 2008 في القطاعات كانت متفاوتة بين سالب 12 في المائة في أرباح البنوك مقارنة بالربع الرابع من عام 2007 إلى سالب 18 في المائة في الاستثمار الصناعي ارتفعت النسبة بشكل ملحوظ في صناعة البتروكيماويات إلى سالب 92 في المائة.
لكن التساؤل المحير والخطير لماذا وصلت النسبة السالبة إلى 142 في المائة في القطاع الزراعي رغم أن المواد الأساسية انخفضت على مستوى العالم إلى النصف؟ فمثلا زيت النخيل انخفض إلى 40 في المائة, بينما المواطن لم يلاحظ هذا الانخفاض في الأسعار النهائية في الأسواق بل تباع بالأسعار العالية, أي أن هذا القطاع يحقق أرباحا عالية على حساب المواطن بسبب غياب تنافسية تجبر المصنعين على تخفيض أسعارهم العالية.
إذاً لماذا تحققت كل هذه الخسائر في الأرباح الربعية ولا يوجد إلا سبب واحد عن أسباب هذه الخسائر, وهو استثمار جزء كبير من أموال هذه الشركات في أسواق الأسهم المحلية والعالمية التي انخفض بعضها إلى النصف, بل إن أسهم عالمية انخفضت إلى الثلثين؟ ولماذا تستثمر هذه الشركات أموال المساهمين في أسواق الأسهم بدلا من توسيع وتنويع مشاريعها الإنتاجية, خصوصا أن أسواق الأسهم المحلية أسواق مضاربة وليست أسواقا استثمارية, والأسواق العالمية معروف أنها تعاني أزمة مالية منذ منتصف عام 2007 وحذر منها عديد من الاقتصاديين؟ ويبدو أن الشركات لم تصدقهم حتى وقعت الكارثة, في حين نجد أن القطاع الزراعي في المغرب حمى الصناعات الصغيرة والمتوسطة من التأثر بالأزمة المالية العالمية, وما ينطبق على القطاع الزراعي السعودي ينطبق على بقية القطاعات الأخرى.
أما قطاع البتروكيماويات, القطاع الحيوي والقطاع القائد لبقية القطاعات الأخرى انخفضت أرباحه نتيجة اعتماده المفرط على تصدير مواد أساسية شبه خام تأثر بالأزمة العالمية والانكماش الاقتصادي وانخفاض أسعار البترول إلى الثلث, وتتجه "سابك" الآن إلى تقليص التكاليف وترشيد المصروفات من خلال تعليق بعض المصانع فترات معينة وتخفيض الإنتاج في البعض الآخر, وإعادة هيكلة بعض الشركات الخارجية لتحسين أدائها مع إقفال بعض المصانع كمصانع العطريات في بريطانيا ومصنع آخر في إسبانيا, إضافة إلى تعليق مصانع لها في السعودية, ولكن هل تكفي هذه الإجراءات؟
فإذا حققت دول الخليج عام 2008 إيرادات من تصدير النفط أكثر من 500 مليار دولار ونتيجة انخفاض الأسعار إلى نحو الثلث, فإن عام 2009 يتوقع إن تحصل دول الخليج على إيرادات أقل من 250 مليار دولار, أي أن اقتصادات دول الخليج ستتأثر بشكل كبير نتيجة اعتمادها المفرط على أسعار البترول الخام, ولكن كان تأثر الدول الصناعية نتيجة الأزمة المالية العالمية أقل بكثير من الانخفاض في دول الخليج, فبريطانيا تعد حدوث انكماش حاد في قطاعي الخدمات والإنتاج اللذين يمثلان ثلاثة أرباع الناتج الاقتصادي البريطاني انخفض 1 في المائة فقط في الربع الرابع من عام 2008, وانخفض الإنتاج 3.9 في المائة, وهو أكبر هبوط منذ عام 1980, وانخفض الإنتاج الصناعي في اليابان 8.5 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2008, ما يشكل أكبر تراجع يسجل في اليابان بسبب الأزمة العالمية, صحيح أن الصادرات في الدول السبع الكبرى انخفضت إلى نسبة 20 في المائة حسب تصريحات صندوق النقد الدولي.
وتعد السعودية من أهم الدول المدعمة للصناعات البتروكيماوية, حيث تشغل 35 في المائة من حجم هذه الصناعات على المستوى العالمي حتى عام 2007, ولكن لا تزال أرباحها الإجمالية لا تتعدى ثمانية مليارات دولار وبرأسمال رفعته "سابك" في آذار (مارس) 2008 من 25 مليار ريال إلى 30 مليار ريال, في حين نجد أن شركة فايزر أكبر مصنع للأدوية في العالم من حيث الإيرادات استحوذت في صفقة على منافستها "ويث" بنحو 68 مليار دولار واستنادا إلى سعر سهم "فايزر" عند الإغلاق في 23/1/2009 بلغ 17.21 دولار وتبلغ قيمة الشركة نحو 118 مليار دولار, كما نجد أن صادرات الخدمات التكنولوجية في مصر مرتفعة رغم الأزمة العالمية.
على "سابك" أن تتجه نحو هيكلة تنويع صادراتها نحو صناعات أكثر تخصصا وذات قيمة مضافة عالية بدلا من الاستمرار فقط في الصناعات الأساسية ذات القيمة المضافة المنخفضة والمعتمدة على قطاع التصدير فقط, التي كانت خطوة أساسية في البداية, لكن عليها أن تتجه نحو السوق المحلية التي تستورد معظم احتياجاتها من العالم الخارجي, خاصة أن شركة سابك ستجد في الوقت الراهن شركاء استراتيجيين للدخول معها في مشاريع إنتاجية متخصصة تستهدف تلبية الطلب المحلي الخليجي والعربي بإمكانات تقنية عالية وفريدة على مستوى العالم.
هذه الأزمة أعطت "سابك" درسا صعبا بعدم الاكتفاء بتصدير مواد أساسية شبه خام ذات قيمة مضافة منخفضة وباعتماد شبه كلي على التصدير تتأثر بالأزمات الاقتصادية العالمية على خلاف المنتجات الصناعية المتخصصة والمتنوعة التي تستهدف الاستهلاك المحلي والعالمي, خصوصا نحن نستضيف منتدى التنافسية الذي يفرض علينا استغلال الفرصة لتنويع منتجاتنا الصناعية القادرة على النمو
والمنافسة العالمية لأنها تستفيد من الميزة النسبية المحلية بجانب خلق الميزة التنافسية لدعم مسيرة النمو والتوسع كيلا تتأثر بالأزمات العالمية مثلما تأثرت منتجات "سابك" في الفترة الحالية.
<!-- body -->
د. عبد الحفيظ محبوب
قدر بنك جولدمان ساكس تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الخليج في السنة الحالية من معدل 7 في المائة سابقا إلى نحو ما بين 2 و3 في المائة، وتوقع التقرير عن السعودية بشكل خاص أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بسبب اجتماع عاملين هما: انخفاض الإنتاج النفطي وتراجع الطلب من جانب القطاع الخاص.
لكن بنظرة أكثر تفحصا وأكثر تحليلا من النظرة الإجمالية, فإننا نجد أن الشركات المساهمة العامة في السعودية استطاعت أن تصمد أمام مأزق الأزمة المالية العالمية العنيفة التي انطلقت منذ الربع الأخير من العام الماضي 2008 رغم أن تداعيات الأزمة بدأت منذ منتصف عام 2007, ولكن هذه الشركات حققت تماسكا في نتائجها المالية العامة بتراجع طفيف قوامه 3 في المائة فقط, فقد استطاعت 122 شركة مدرجة في سوق الأسهم السعودية أن تحقق 101.7 مليار ريال (27.1 مليار دولار) من أصل 126 شركة مدرجة في سوق الأسهم في 15 قطاعا حيويا.
وفي نتائج الربع الرابع من عام 2008 في القطاعات كانت متفاوتة بين سالب 12 في المائة في أرباح البنوك مقارنة بالربع الرابع من عام 2007 إلى سالب 18 في المائة في الاستثمار الصناعي ارتفعت النسبة بشكل ملحوظ في صناعة البتروكيماويات إلى سالب 92 في المائة.
لكن التساؤل المحير والخطير لماذا وصلت النسبة السالبة إلى 142 في المائة في القطاع الزراعي رغم أن المواد الأساسية انخفضت على مستوى العالم إلى النصف؟ فمثلا زيت النخيل انخفض إلى 40 في المائة, بينما المواطن لم يلاحظ هذا الانخفاض في الأسعار النهائية في الأسواق بل تباع بالأسعار العالية, أي أن هذا القطاع يحقق أرباحا عالية على حساب المواطن بسبب غياب تنافسية تجبر المصنعين على تخفيض أسعارهم العالية.
إذاً لماذا تحققت كل هذه الخسائر في الأرباح الربعية ولا يوجد إلا سبب واحد عن أسباب هذه الخسائر, وهو استثمار جزء كبير من أموال هذه الشركات في أسواق الأسهم المحلية والعالمية التي انخفض بعضها إلى النصف, بل إن أسهم عالمية انخفضت إلى الثلثين؟ ولماذا تستثمر هذه الشركات أموال المساهمين في أسواق الأسهم بدلا من توسيع وتنويع مشاريعها الإنتاجية, خصوصا أن أسواق الأسهم المحلية أسواق مضاربة وليست أسواقا استثمارية, والأسواق العالمية معروف أنها تعاني أزمة مالية منذ منتصف عام 2007 وحذر منها عديد من الاقتصاديين؟ ويبدو أن الشركات لم تصدقهم حتى وقعت الكارثة, في حين نجد أن القطاع الزراعي في المغرب حمى الصناعات الصغيرة والمتوسطة من التأثر بالأزمة المالية العالمية, وما ينطبق على القطاع الزراعي السعودي ينطبق على بقية القطاعات الأخرى.
أما قطاع البتروكيماويات, القطاع الحيوي والقطاع القائد لبقية القطاعات الأخرى انخفضت أرباحه نتيجة اعتماده المفرط على تصدير مواد أساسية شبه خام تأثر بالأزمة العالمية والانكماش الاقتصادي وانخفاض أسعار البترول إلى الثلث, وتتجه "سابك" الآن إلى تقليص التكاليف وترشيد المصروفات من خلال تعليق بعض المصانع فترات معينة وتخفيض الإنتاج في البعض الآخر, وإعادة هيكلة بعض الشركات الخارجية لتحسين أدائها مع إقفال بعض المصانع كمصانع العطريات في بريطانيا ومصنع آخر في إسبانيا, إضافة إلى تعليق مصانع لها في السعودية, ولكن هل تكفي هذه الإجراءات؟
فإذا حققت دول الخليج عام 2008 إيرادات من تصدير النفط أكثر من 500 مليار دولار ونتيجة انخفاض الأسعار إلى نحو الثلث, فإن عام 2009 يتوقع إن تحصل دول الخليج على إيرادات أقل من 250 مليار دولار, أي أن اقتصادات دول الخليج ستتأثر بشكل كبير نتيجة اعتمادها المفرط على أسعار البترول الخام, ولكن كان تأثر الدول الصناعية نتيجة الأزمة المالية العالمية أقل بكثير من الانخفاض في دول الخليج, فبريطانيا تعد حدوث انكماش حاد في قطاعي الخدمات والإنتاج اللذين يمثلان ثلاثة أرباع الناتج الاقتصادي البريطاني انخفض 1 في المائة فقط في الربع الرابع من عام 2008, وانخفض الإنتاج 3.9 في المائة, وهو أكبر هبوط منذ عام 1980, وانخفض الإنتاج الصناعي في اليابان 8.5 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2008, ما يشكل أكبر تراجع يسجل في اليابان بسبب الأزمة العالمية, صحيح أن الصادرات في الدول السبع الكبرى انخفضت إلى نسبة 20 في المائة حسب تصريحات صندوق النقد الدولي.
وتعد السعودية من أهم الدول المدعمة للصناعات البتروكيماوية, حيث تشغل 35 في المائة من حجم هذه الصناعات على المستوى العالمي حتى عام 2007, ولكن لا تزال أرباحها الإجمالية لا تتعدى ثمانية مليارات دولار وبرأسمال رفعته "سابك" في آذار (مارس) 2008 من 25 مليار ريال إلى 30 مليار ريال, في حين نجد أن شركة فايزر أكبر مصنع للأدوية في العالم من حيث الإيرادات استحوذت في صفقة على منافستها "ويث" بنحو 68 مليار دولار واستنادا إلى سعر سهم "فايزر" عند الإغلاق في 23/1/2009 بلغ 17.21 دولار وتبلغ قيمة الشركة نحو 118 مليار دولار, كما نجد أن صادرات الخدمات التكنولوجية في مصر مرتفعة رغم الأزمة العالمية.
على "سابك" أن تتجه نحو هيكلة تنويع صادراتها نحو صناعات أكثر تخصصا وذات قيمة مضافة عالية بدلا من الاستمرار فقط في الصناعات الأساسية ذات القيمة المضافة المنخفضة والمعتمدة على قطاع التصدير فقط, التي كانت خطوة أساسية في البداية, لكن عليها أن تتجه نحو السوق المحلية التي تستورد معظم احتياجاتها من العالم الخارجي, خاصة أن شركة سابك ستجد في الوقت الراهن شركاء استراتيجيين للدخول معها في مشاريع إنتاجية متخصصة تستهدف تلبية الطلب المحلي الخليجي والعربي بإمكانات تقنية عالية وفريدة على مستوى العالم.
هذه الأزمة أعطت "سابك" درسا صعبا بعدم الاكتفاء بتصدير مواد أساسية شبه خام ذات قيمة مضافة منخفضة وباعتماد شبه كلي على التصدير تتأثر بالأزمات الاقتصادية العالمية على خلاف المنتجات الصناعية المتخصصة والمتنوعة التي تستهدف الاستهلاك المحلي والعالمي, خصوصا نحن نستضيف منتدى التنافسية الذي يفرض علينا استغلال الفرصة لتنويع منتجاتنا الصناعية القادرة على النمو
والمنافسة العالمية لأنها تستفيد من الميزة النسبية المحلية بجانب خلق الميزة التنافسية لدعم مسيرة النمو والتوسع كيلا تتأثر بالأزمات العالمية مثلما تأثرت منتجات "سابك" في الفترة الحالية.
<!-- body -->