مخاوي الليل
02-04-2009, 12:08 PM
أمريكا بحاجة إلى خطة أفضل وأوروبا إلى خطة جديدة
فولفجانج مونشو
بنهاية 2008 شطبت البنوك العالمية ما قيمته نحو ألف مليار دولار من الموجودات الرديئة، نصفها تقريباً في الولايات المتحدة.
إذن تعتقد أنك تستطيع رؤية بوادر الانتعاش؟ هل تستمد الشعور بالراحة من الاستقرار الأخير الذي شهدته المؤشرات التي تتطلع إلى الأمام، مثل مبيعات المنازل في الولايات المتحدة؟ أم أنك تعتقد أن الارتفاع الذي شهدته سوق الأسهم يؤشر إلى نهاية الأزمة؟ بطبيعة الحال، لا بد أن تتحسن معدلات النمو الاقتصادي في المستقبل القريب لأسباب فنية، وإلا لن يتبقى الكثير من الاقتصاد العالمي في نهاية العام.
وحتى لو بدأ الانتعاش في أوائل عام 2010، كما يعتقد بعض المتوقعين المتفائلين، فإن معظم آلام الركود ما زالت أمامنا: معدلات البطالة ومعدلات التخلف عن السداد سترتفع بحدة في كل مكان، ومعظم الآلام التي يعاني منها القطاع المالي ما زالت أمامنا. وسيظل الناس يشعرون بهذا الكساد لفترة طويلة بعد انتهائه.
إنني قلق الآن أكثر مما كنت قبل شهر. فالمشكلة الرئيسة هي أن حلقات التغذية الراجعة بين الاقتصاد الحقيقي والقطاع المصرفي مفزعة حقاً. تذكر أن جميع المتوقعين من القطاع العام والقطاع الخاص ما زالوا مشغولين بتعديل توقعاتهم الاقتصادية لعام 2009 بشكل نزولي. وجاء أحدث تعديل نزولي خاص بألمانيا من كوميرزبانك (بنك التجارة) في الأسبوع الماضي، إذ يتوقع نمواً سالباً بنسبة 6 – 7 في المائة للعام الحالي 2009.
وبمعدل الانكماش هذا، من المرجح أن يزداد عدد حالات تخلف الشركات عن السداد بشكل هائل ليتجاوز بعض الافتراضات المتعلقة باختبارات الإجهاد التي وضعتها البنوك نفسها. فبعد الأزمة التي تسببت فيها الموجودات المورقة السامة، أصيبت الصناعة المالية الآن بأزمة أخرى يمكن أن تكون مشابهة لتلك الأزمة في ضخامتها. ويبدو أن هذه واحدة من أسوأ دورات الائتمان التي تعيها الذاكرة.
لقد بدأ خبراء الاقتصاد وصناع السياسات الذين يتساءلون عن مقدار المبالغ اللازمة لإعادة رسملة القطاع المصرفي، يكتشفون أن إنقاذ البنوك هو ممارسة أكثر ديناميكية مما اعتقدوا. فمهما كان حجم التكلفة في تصورك واعتقادك – مع العلم أن التقديرات متباينة إلى حد كبير – فمن المرجح أن ينتهي بك الأمر إلى أن تكلفة أكثر لذلك السبب بالذات. إن الاقتصاد واقع في فخ دائرة شريرة يعزز فيها شح الائتمان والركود بعضهما بعضاً.
مع نهاية كانون الأول (ديسمبر)، كانت البنوك العالمية قد شطبت ما قيمته نحو ألف مليار دولار من الموجودات الرديئة نصفها تقريباً في الولايات المتحدة. ومنذ بداية الأزمة زادت قيمة الموجودات التي تم تخفيضها في الولايات المتحدة عن رأس المال الجديد الذي تم توفيره. وحتى خطة تيم جايتنر التي يتشارك فيها القطاعان العام والخاص لن تعكس التردي المتوقع في نسب الرساميل بالسرعة والحجم الكافيين. وفي أوروبا زاد رأس المال الجديد على قيمة الأصول التي تم خفضها بمبلغ بسيط، لكن بناء على التوقعات الأخيرة التي رأيتها، هناك إمكانية لأن ينعكس هذا التوجه بحدة هذا العام ما لم تنفذ الحكومات خططاً جديدة لإعادة رسملة البنوك.
وفي غياب هذه الخطط سيواصل القطاع المصرفي تقليص ميزانيته العمومية عبر خفض الاقتراض. وهذا رد عقلاني تماماً من جانب البنوك. ولذلك إزالة الجمود من السوق المالية العالمية يتطلب زيادات كبيرة في رسملة البنوك، ليس فقط إلى ما كانت عليه قبل الوضع الراهن، وليس فقط للتعويض عن الموجودات المورقة السامة نفسها، لكن للتعويض عن الموجودات التي أخذت تصبح سامة الآن وستصبح سامة في المستقبل. ويبدو تقدير ألان جرينسبان، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يقترح فيه زيادة نسبة رأسمال البنوك إلى موجوداتها من 10 في المائة إلى 13 أو 14 في المائة معقولاً بالنسبة إلي. فبعد فترة طويلة من عدم كفاية رأس المال، يحتاج المرء إلى فترة من زيادة رأس المال فوق المستويات المعهودة كي تعود الأوضاع إلى طبيعتها.
وبعبارة أخرى، عليك أن تفعل أكثر قليلاً مما تعتقد أنك بحاجة إلى فعله وليس أقل قليلاً منه. لهذا السبب لا تعتبر خطة جايتنر رداً رسمياً مثالياً. إنها خطة بارعة جداً من حيث طريقة بنائها. فهي لا تقدم حوافز غير منطقية للمستثمرين من القطاع الخاص لشراء الموجدات السامة. لكنها لن تؤدي إلى إعادة رسملة كافية، ناهيك عن حل المشكلة لدرجة تبدأ معها البنوك بالإقراض مرة أخرى. ورغم ما في هذه الخطة من براعة فنية، فهي في أحسن الأحوال غير كافية – وعلى الأرجح أنها ستكون إلهاءً مكلفاً من شأنه تأجيل رد السياسة الحتمي عن طريق تنفيذ برنامج إعادة الرسملة بتوجيه من الحكومة.
ويعتقد الأوروبيون أن مشكلتهم أقل لأنهم سبق لهم أن نفذوا رزماً لإنقاذ البنوك في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. إن هذه واحدة من إساءات التقدير العديدة التي يقوم بها المسؤولون الأوروبيون بخصوص هذه الأزمة، إذ إن حزم الإنقاذ المالية لا تحقق الغاية المطلوبة. فقد كانت تدابير طارئة فقط، لكننا تجاوزنا الحالة الطارئة المباشرة، ونحتاج الآن إلى رد استراتيجي. وسيتعين على أوروبا أيضاً أن تبدأ بمعالجة المشكلة عبر إجبار البنوك على خفض قيمة موجوداتها مقابل حصولها على رأسمال جديد. كما لا ينبغي أن تظل جميع البنوك قائمة. علينا أن نسمح لهذا القطاع أن يتقلص بينما نقوم بإعادة رسملته. وهذا يعني أنه ما زال يتعين اتخاذ العديد من القرارات المؤملة وغير الشعبية.
ليس لدي أي أمل في أن تقدم قمة مجموعة العشرين التي تعقد اليوم حلاً لهذه المشكلة. والحقيقة أن مجموعة السبع القديمة تعتبر مجموعة أنسب للبحث في إيجاد طريقة منسقة لمعالجة الأزمات، لأن معظم أهم المراكز المالية في العالم توجد في هذه البلدان. لكن أهمية من يقوم بهذه المهمة تقل عن أهمية ما يجري القيام به. إن الأوروبيين بحاجة إلى خطة جديدة. والولايات المتحدة بحاجة إلى خطة أفضل.
<!-- body -->
فولفجانج مونشو
بنهاية 2008 شطبت البنوك العالمية ما قيمته نحو ألف مليار دولار من الموجودات الرديئة، نصفها تقريباً في الولايات المتحدة.
إذن تعتقد أنك تستطيع رؤية بوادر الانتعاش؟ هل تستمد الشعور بالراحة من الاستقرار الأخير الذي شهدته المؤشرات التي تتطلع إلى الأمام، مثل مبيعات المنازل في الولايات المتحدة؟ أم أنك تعتقد أن الارتفاع الذي شهدته سوق الأسهم يؤشر إلى نهاية الأزمة؟ بطبيعة الحال، لا بد أن تتحسن معدلات النمو الاقتصادي في المستقبل القريب لأسباب فنية، وإلا لن يتبقى الكثير من الاقتصاد العالمي في نهاية العام.
وحتى لو بدأ الانتعاش في أوائل عام 2010، كما يعتقد بعض المتوقعين المتفائلين، فإن معظم آلام الركود ما زالت أمامنا: معدلات البطالة ومعدلات التخلف عن السداد سترتفع بحدة في كل مكان، ومعظم الآلام التي يعاني منها القطاع المالي ما زالت أمامنا. وسيظل الناس يشعرون بهذا الكساد لفترة طويلة بعد انتهائه.
إنني قلق الآن أكثر مما كنت قبل شهر. فالمشكلة الرئيسة هي أن حلقات التغذية الراجعة بين الاقتصاد الحقيقي والقطاع المصرفي مفزعة حقاً. تذكر أن جميع المتوقعين من القطاع العام والقطاع الخاص ما زالوا مشغولين بتعديل توقعاتهم الاقتصادية لعام 2009 بشكل نزولي. وجاء أحدث تعديل نزولي خاص بألمانيا من كوميرزبانك (بنك التجارة) في الأسبوع الماضي، إذ يتوقع نمواً سالباً بنسبة 6 – 7 في المائة للعام الحالي 2009.
وبمعدل الانكماش هذا، من المرجح أن يزداد عدد حالات تخلف الشركات عن السداد بشكل هائل ليتجاوز بعض الافتراضات المتعلقة باختبارات الإجهاد التي وضعتها البنوك نفسها. فبعد الأزمة التي تسببت فيها الموجودات المورقة السامة، أصيبت الصناعة المالية الآن بأزمة أخرى يمكن أن تكون مشابهة لتلك الأزمة في ضخامتها. ويبدو أن هذه واحدة من أسوأ دورات الائتمان التي تعيها الذاكرة.
لقد بدأ خبراء الاقتصاد وصناع السياسات الذين يتساءلون عن مقدار المبالغ اللازمة لإعادة رسملة القطاع المصرفي، يكتشفون أن إنقاذ البنوك هو ممارسة أكثر ديناميكية مما اعتقدوا. فمهما كان حجم التكلفة في تصورك واعتقادك – مع العلم أن التقديرات متباينة إلى حد كبير – فمن المرجح أن ينتهي بك الأمر إلى أن تكلفة أكثر لذلك السبب بالذات. إن الاقتصاد واقع في فخ دائرة شريرة يعزز فيها شح الائتمان والركود بعضهما بعضاً.
مع نهاية كانون الأول (ديسمبر)، كانت البنوك العالمية قد شطبت ما قيمته نحو ألف مليار دولار من الموجودات الرديئة نصفها تقريباً في الولايات المتحدة. ومنذ بداية الأزمة زادت قيمة الموجودات التي تم تخفيضها في الولايات المتحدة عن رأس المال الجديد الذي تم توفيره. وحتى خطة تيم جايتنر التي يتشارك فيها القطاعان العام والخاص لن تعكس التردي المتوقع في نسب الرساميل بالسرعة والحجم الكافيين. وفي أوروبا زاد رأس المال الجديد على قيمة الأصول التي تم خفضها بمبلغ بسيط، لكن بناء على التوقعات الأخيرة التي رأيتها، هناك إمكانية لأن ينعكس هذا التوجه بحدة هذا العام ما لم تنفذ الحكومات خططاً جديدة لإعادة رسملة البنوك.
وفي غياب هذه الخطط سيواصل القطاع المصرفي تقليص ميزانيته العمومية عبر خفض الاقتراض. وهذا رد عقلاني تماماً من جانب البنوك. ولذلك إزالة الجمود من السوق المالية العالمية يتطلب زيادات كبيرة في رسملة البنوك، ليس فقط إلى ما كانت عليه قبل الوضع الراهن، وليس فقط للتعويض عن الموجودات المورقة السامة نفسها، لكن للتعويض عن الموجودات التي أخذت تصبح سامة الآن وستصبح سامة في المستقبل. ويبدو تقدير ألان جرينسبان، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يقترح فيه زيادة نسبة رأسمال البنوك إلى موجوداتها من 10 في المائة إلى 13 أو 14 في المائة معقولاً بالنسبة إلي. فبعد فترة طويلة من عدم كفاية رأس المال، يحتاج المرء إلى فترة من زيادة رأس المال فوق المستويات المعهودة كي تعود الأوضاع إلى طبيعتها.
وبعبارة أخرى، عليك أن تفعل أكثر قليلاً مما تعتقد أنك بحاجة إلى فعله وليس أقل قليلاً منه. لهذا السبب لا تعتبر خطة جايتنر رداً رسمياً مثالياً. إنها خطة بارعة جداً من حيث طريقة بنائها. فهي لا تقدم حوافز غير منطقية للمستثمرين من القطاع الخاص لشراء الموجدات السامة. لكنها لن تؤدي إلى إعادة رسملة كافية، ناهيك عن حل المشكلة لدرجة تبدأ معها البنوك بالإقراض مرة أخرى. ورغم ما في هذه الخطة من براعة فنية، فهي في أحسن الأحوال غير كافية – وعلى الأرجح أنها ستكون إلهاءً مكلفاً من شأنه تأجيل رد السياسة الحتمي عن طريق تنفيذ برنامج إعادة الرسملة بتوجيه من الحكومة.
ويعتقد الأوروبيون أن مشكلتهم أقل لأنهم سبق لهم أن نفذوا رزماً لإنقاذ البنوك في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. إن هذه واحدة من إساءات التقدير العديدة التي يقوم بها المسؤولون الأوروبيون بخصوص هذه الأزمة، إذ إن حزم الإنقاذ المالية لا تحقق الغاية المطلوبة. فقد كانت تدابير طارئة فقط، لكننا تجاوزنا الحالة الطارئة المباشرة، ونحتاج الآن إلى رد استراتيجي. وسيتعين على أوروبا أيضاً أن تبدأ بمعالجة المشكلة عبر إجبار البنوك على خفض قيمة موجوداتها مقابل حصولها على رأسمال جديد. كما لا ينبغي أن تظل جميع البنوك قائمة. علينا أن نسمح لهذا القطاع أن يتقلص بينما نقوم بإعادة رسملته. وهذا يعني أنه ما زال يتعين اتخاذ العديد من القرارات المؤملة وغير الشعبية.
ليس لدي أي أمل في أن تقدم قمة مجموعة العشرين التي تعقد اليوم حلاً لهذه المشكلة. والحقيقة أن مجموعة السبع القديمة تعتبر مجموعة أنسب للبحث في إيجاد طريقة منسقة لمعالجة الأزمات، لأن معظم أهم المراكز المالية في العالم توجد في هذه البلدان. لكن أهمية من يقوم بهذه المهمة تقل عن أهمية ما يجري القيام به. إن الأوروبيين بحاجة إلى خطة جديدة. والولايات المتحدة بحاجة إلى خطة أفضل.
<!-- body -->