Abuomar
13-03-2006, 03:39 PM
الكتابة في الإنترنت
عبدالملك علي الجنيدي* (aljinaidi@alwatan.com.sa)
تلقيت ذات مرة دعوة بالبريد الإلكتروني من أحد طلابي في كلية الهندسة للكتابة في موقع من المواقع. المهم شكرت الطالب على دعوته ووعدته خيرا، لكن الذي لفت انتباهي أن الطالب لم يستخدم اسمه الصريح وإنما اسماً مستعاراً. بعد عدة أيام زرت الموقع أو المنتدى كما يسمونه وهو منتدى عام يحتوي تقريبا على كل شيء من الفتاوى الشرعية إلى التصميم بالفوتوشوب مرورا بمشاكل الأسرة والثقافة والمرأة وبالطبع المحور الهندسي الذي دعيت للكتابة فيه من قبل المراقب أو المشرف العام.
ما إن تصفحت القسم الهندسي من المنتدى وغيره من الأقسام الأخرى حتى لاحظت أن معظم إن لم يكن كل المشاركين هم على شاكلة المشرف العام ذوو أسماء مستعارة. عندها اعتذرت للطالب بحجة أنني لا يمكن أن أكتب باسم مستعار في موضوع هندسي ناهيك أنني لا أستسيغ أن أتناقش مع أسماء وهمية من على شاكلة "أسد جدة" و "أبو سارة" و"مهندس 2005".
وحقيقة إن الكتابة في الإنترنت هي من المواضيع الحديثة التي لم نعرفها إلا مؤخرا لكن الكتابة فيها موضوع ذو شجون وفنون. فأنا لا أعرف السبب الذي يجعل الناس يكتبون بأسماء وهمية في مواضيع عامة. ألهذا الحد نريد ألا يعرفنا الناس؟ هل وصل بنا التواضع لهذا المستوى؟ أم لأن المواضيع التي نتطرق إليها حساسة أو لنقل يصعب الحديث فيها؟ وأي حساسية لمنتدى يناقش صيانة الحاسب أو الجوالات أو فنون الطبخ؟ هل هاجس الخوف وصل بنا إلى هذه الدرجة؟ ثم من أي شيء نخاف ونحن نتحاور في شأن له علاقة بالشعر الشعبي أو بتصميم مواقع الإنترنت؟ هل أصبحنا نهوى النقاش في دهماء الليل المظلم ونأخذ الحديث عن فلان بن فلان المجهول الاسم والهوية؟ هل هناك شح في مصادر المعلومة أوصلنا إلى هذا التعتيم الكثيف؟
وفي أشهر المنتديات تجد الملاحظة نفسها هناك وهي الكتابة بأسماء مستعارة وقليل من يكتب باسمه. وإنك لتستغرب ثقة الناس بهذه المنتديات فأقل ما يقال عن سند الراوي أنه منكر وهو كفيل بتضعيف أو بالأصح بتكذيب روايته إذا استخدمنا مصطلح الحديث النبوي في ذلك. كيف يقبل المسلمون الذين أسس علماء الحديث عندهم علم الرواية والنقل وما نتج عنه من علوم مساندة مثل الجرح والتعديل أن يتقبلوا المواقع التي يكتب فيها أناس بأسماء وهمية؟ ناهيك أن تعد أصلا مصدرا موثوقا أو لنقل مصدرا للمعلومة؟
تخيل معي الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة وهو يرسل قصاصات في شوارع بغداد (وحاشاه ذلك) تقف ضد شبهة خلق القرآن بتوقيع فاعل خير أو مسلم غيور من بغداد. هل كان ذلك ليوقف تلك الفتنة بخلق القرآن؟ هل كان سيقبل تلاميذه أو الناس هذا الطرح؟ هل يتوقع من العلماء وأصحاب الحق والرأي مشروع كهذا؟ هل كان الإمام نفسه يفعل ذلك؟ الجواب كلا وألف كلا. لأن الحق له ناسه وله رجاله أما الإشاعات والأقاويل والحكايات فلها رواتها في المقاهي وفي التكايا والزوايا والحانات.
وبسبب تلك العناية الفائقة بالخبر والتثبت منه ومن المتن والسند وجد الفرق الشاسع بين الحديث النبوي وصحته من جهة وعلوم التفسير وما داخلها من الإسرائيليات من جهة ثانية. أما رواية الشعر فهي لا تكاد ترقى حتى إلى الضعيف من الحديث النبوي لأن الأدباء لم يطبقوا تلك المعايير العالمية العالية في علم الأسانيد والقدح في النص عندما نقلوا قصائد الشعراء قديما وحديثا. بل إن الواحد منا عندما يستشهد بقصيدة أو بيت من الشعر في مقالة يدبجها أو كتاب يخطه لا يتردد في تعديل كلمة لبيت من الشعر قاله مهيار الديلمي أو الصمة القشيري مثلا ويكتب أحيانا (مع الاعتذار للشاعر فلان بن فلان)، وفي نفس الوقت لا يفكر حتى مجرد التفكير في استبدال حرف من الحديث النبوي الشريف، لماذا؟ لأن لكل نص قداسته.
المستغرب أن يشارك ناس لهم أسماؤهم المعروفة سواء كأدباء أو أساتذة جامعات أو مثقفين في نقاشات المنتديات مجهولة الأعضاء. إن مجرد المشاركة هو إضفاء الشرعية لهذه المواقع وكأنها تخدم الصالح العام؟ وأي صالح عام يرجى لمنتدى يستطيع أن يسجل فيه متربص أو عدو ليبث أفكاره أو سمومه بين المسلمين؟ الأمر لا يحتاج إلى أكثر من خمس دقائق لتكتب ما تشاء فيمن تشاء وفي أي موضوع تشاء ولا يوجد رقيب إلا حس الكاتب وأمانته وصدقه بل ولا يوجد من يحاسب على أي خبر مختلق أو ملفق وأفضل ما يفعل المشرف العام هو حذف الخبر الذي قد يعود بعد ساعة من الحذف.
إنني لست ضد هذه المنتديات الحوارية في الإنترنت لكنني أطالب نشطاء الإنترنت بأن يتبنوا منتديات عامة يناقش فيها كل ما يخدم الشأن العام لكن بشرط أن يُعرف الكاتب بنفسه حتى نتعود أن يكون للكلمة مسؤولية تبني لبنة صالحة في المجتمع.
أما لو سألنا أنفسنا عن سبب هذه التعمية في المشاركة فأعتقد وبما لا يدع مجالاً للشك أننا نعيش أزمة للحوار والفكر. أزمة الحوار أوصلتنا إلى أن نتقمص أسماء وهمية ونلبس أقنعة مزركشة نتحاور من خلالها بدلا من أن نتحاور ونتناقش وجها لوجه. وفي اعتقادي أن من أسباب ذلك أننا نريد أن نطرح موضوعا ما للنقاش، لكننا نخاف من الحكم المسبق المعلب الجاهز فنتوارى تحت اسم "أبوفلان" حتى إذا ما لم يستسغ الجمهور طرحنا ولاكتنا ألسنة الزوار أو لوحات مفاتيحهم فعلى الأقل سيكون الضرب والتقريع والسب والشتم من نصيب أبي فلان وبالتالي نسلم من المساس بشخصيتنا مباشرة. ونظل ننتقل من منتدى إلى آخر ومن اسم مستعار إلى أبي فلان آخر ومن معركة بلا راية إلى معركة بلا غاية.
أعرف أن مقالتي هذه ستصل إلى بعض المنتديات العامة وسيقول بعض الإخوة هناك من أصحاب الأسماء المستعارة أو الأسماء الصريحة في تعليقهم، إنني أكتب لأن التحرير سمح لي بذلك وأعطاني النافذة المناسبة لمخاطبة الجمهور وبالتالي
لا يَعرِفُ الشَوقَ إِلا مَن يُكابِدُه
وَلا الصَبابَةَ إِلا مَن يُعانيها
فأقول إن أمانة الكلمة تفترض منا أن نقف مع أنفسنا ونسأل هل هناك قيمة مضافة للمجتمع مع كل سطر نخطه سواء في الصحافة أو منتديات الحوار أم فقط لأننا وجدنا مساحة للطرح في هذا المنتدى أو ذلك المنبر انطلقنا نمارس هواية الكتابة. ولنسأل أنفسنا كم مرة قرأنا موضوعا في هذه المنتديات العامة وخرجنا بفائدة معنوية أو مادية دينية أو دنيوية. ثم لعلني أسأل ترى كم مليون ساعة نهدرها سنويا في متابعة تلك المنتديات وآخر الأخبار المجهولة المصدر؟ إننا لو افترضنا أن متابعي تلك المنتديات هم ثلاثة ملايين زائر (بعدد المستثمرين في الأسهم) يقضي كل واحد ساعة يوميا في المنتديات فإننا نهدر أكثر من مليار ساعة عمل سنويا، وهو جهد يكفي لبناء مدن صناعية ضخمة.
* أستاذ هندسة الإنتاج بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة
عبدالملك علي الجنيدي* (aljinaidi@alwatan.com.sa)
تلقيت ذات مرة دعوة بالبريد الإلكتروني من أحد طلابي في كلية الهندسة للكتابة في موقع من المواقع. المهم شكرت الطالب على دعوته ووعدته خيرا، لكن الذي لفت انتباهي أن الطالب لم يستخدم اسمه الصريح وإنما اسماً مستعاراً. بعد عدة أيام زرت الموقع أو المنتدى كما يسمونه وهو منتدى عام يحتوي تقريبا على كل شيء من الفتاوى الشرعية إلى التصميم بالفوتوشوب مرورا بمشاكل الأسرة والثقافة والمرأة وبالطبع المحور الهندسي الذي دعيت للكتابة فيه من قبل المراقب أو المشرف العام.
ما إن تصفحت القسم الهندسي من المنتدى وغيره من الأقسام الأخرى حتى لاحظت أن معظم إن لم يكن كل المشاركين هم على شاكلة المشرف العام ذوو أسماء مستعارة. عندها اعتذرت للطالب بحجة أنني لا يمكن أن أكتب باسم مستعار في موضوع هندسي ناهيك أنني لا أستسيغ أن أتناقش مع أسماء وهمية من على شاكلة "أسد جدة" و "أبو سارة" و"مهندس 2005".
وحقيقة إن الكتابة في الإنترنت هي من المواضيع الحديثة التي لم نعرفها إلا مؤخرا لكن الكتابة فيها موضوع ذو شجون وفنون. فأنا لا أعرف السبب الذي يجعل الناس يكتبون بأسماء وهمية في مواضيع عامة. ألهذا الحد نريد ألا يعرفنا الناس؟ هل وصل بنا التواضع لهذا المستوى؟ أم لأن المواضيع التي نتطرق إليها حساسة أو لنقل يصعب الحديث فيها؟ وأي حساسية لمنتدى يناقش صيانة الحاسب أو الجوالات أو فنون الطبخ؟ هل هاجس الخوف وصل بنا إلى هذه الدرجة؟ ثم من أي شيء نخاف ونحن نتحاور في شأن له علاقة بالشعر الشعبي أو بتصميم مواقع الإنترنت؟ هل أصبحنا نهوى النقاش في دهماء الليل المظلم ونأخذ الحديث عن فلان بن فلان المجهول الاسم والهوية؟ هل هناك شح في مصادر المعلومة أوصلنا إلى هذا التعتيم الكثيف؟
وفي أشهر المنتديات تجد الملاحظة نفسها هناك وهي الكتابة بأسماء مستعارة وقليل من يكتب باسمه. وإنك لتستغرب ثقة الناس بهذه المنتديات فأقل ما يقال عن سند الراوي أنه منكر وهو كفيل بتضعيف أو بالأصح بتكذيب روايته إذا استخدمنا مصطلح الحديث النبوي في ذلك. كيف يقبل المسلمون الذين أسس علماء الحديث عندهم علم الرواية والنقل وما نتج عنه من علوم مساندة مثل الجرح والتعديل أن يتقبلوا المواقع التي يكتب فيها أناس بأسماء وهمية؟ ناهيك أن تعد أصلا مصدرا موثوقا أو لنقل مصدرا للمعلومة؟
تخيل معي الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة وهو يرسل قصاصات في شوارع بغداد (وحاشاه ذلك) تقف ضد شبهة خلق القرآن بتوقيع فاعل خير أو مسلم غيور من بغداد. هل كان ذلك ليوقف تلك الفتنة بخلق القرآن؟ هل كان سيقبل تلاميذه أو الناس هذا الطرح؟ هل يتوقع من العلماء وأصحاب الحق والرأي مشروع كهذا؟ هل كان الإمام نفسه يفعل ذلك؟ الجواب كلا وألف كلا. لأن الحق له ناسه وله رجاله أما الإشاعات والأقاويل والحكايات فلها رواتها في المقاهي وفي التكايا والزوايا والحانات.
وبسبب تلك العناية الفائقة بالخبر والتثبت منه ومن المتن والسند وجد الفرق الشاسع بين الحديث النبوي وصحته من جهة وعلوم التفسير وما داخلها من الإسرائيليات من جهة ثانية. أما رواية الشعر فهي لا تكاد ترقى حتى إلى الضعيف من الحديث النبوي لأن الأدباء لم يطبقوا تلك المعايير العالمية العالية في علم الأسانيد والقدح في النص عندما نقلوا قصائد الشعراء قديما وحديثا. بل إن الواحد منا عندما يستشهد بقصيدة أو بيت من الشعر في مقالة يدبجها أو كتاب يخطه لا يتردد في تعديل كلمة لبيت من الشعر قاله مهيار الديلمي أو الصمة القشيري مثلا ويكتب أحيانا (مع الاعتذار للشاعر فلان بن فلان)، وفي نفس الوقت لا يفكر حتى مجرد التفكير في استبدال حرف من الحديث النبوي الشريف، لماذا؟ لأن لكل نص قداسته.
المستغرب أن يشارك ناس لهم أسماؤهم المعروفة سواء كأدباء أو أساتذة جامعات أو مثقفين في نقاشات المنتديات مجهولة الأعضاء. إن مجرد المشاركة هو إضفاء الشرعية لهذه المواقع وكأنها تخدم الصالح العام؟ وأي صالح عام يرجى لمنتدى يستطيع أن يسجل فيه متربص أو عدو ليبث أفكاره أو سمومه بين المسلمين؟ الأمر لا يحتاج إلى أكثر من خمس دقائق لتكتب ما تشاء فيمن تشاء وفي أي موضوع تشاء ولا يوجد رقيب إلا حس الكاتب وأمانته وصدقه بل ولا يوجد من يحاسب على أي خبر مختلق أو ملفق وأفضل ما يفعل المشرف العام هو حذف الخبر الذي قد يعود بعد ساعة من الحذف.
إنني لست ضد هذه المنتديات الحوارية في الإنترنت لكنني أطالب نشطاء الإنترنت بأن يتبنوا منتديات عامة يناقش فيها كل ما يخدم الشأن العام لكن بشرط أن يُعرف الكاتب بنفسه حتى نتعود أن يكون للكلمة مسؤولية تبني لبنة صالحة في المجتمع.
أما لو سألنا أنفسنا عن سبب هذه التعمية في المشاركة فأعتقد وبما لا يدع مجالاً للشك أننا نعيش أزمة للحوار والفكر. أزمة الحوار أوصلتنا إلى أن نتقمص أسماء وهمية ونلبس أقنعة مزركشة نتحاور من خلالها بدلا من أن نتحاور ونتناقش وجها لوجه. وفي اعتقادي أن من أسباب ذلك أننا نريد أن نطرح موضوعا ما للنقاش، لكننا نخاف من الحكم المسبق المعلب الجاهز فنتوارى تحت اسم "أبوفلان" حتى إذا ما لم يستسغ الجمهور طرحنا ولاكتنا ألسنة الزوار أو لوحات مفاتيحهم فعلى الأقل سيكون الضرب والتقريع والسب والشتم من نصيب أبي فلان وبالتالي نسلم من المساس بشخصيتنا مباشرة. ونظل ننتقل من منتدى إلى آخر ومن اسم مستعار إلى أبي فلان آخر ومن معركة بلا راية إلى معركة بلا غاية.
أعرف أن مقالتي هذه ستصل إلى بعض المنتديات العامة وسيقول بعض الإخوة هناك من أصحاب الأسماء المستعارة أو الأسماء الصريحة في تعليقهم، إنني أكتب لأن التحرير سمح لي بذلك وأعطاني النافذة المناسبة لمخاطبة الجمهور وبالتالي
لا يَعرِفُ الشَوقَ إِلا مَن يُكابِدُه
وَلا الصَبابَةَ إِلا مَن يُعانيها
فأقول إن أمانة الكلمة تفترض منا أن نقف مع أنفسنا ونسأل هل هناك قيمة مضافة للمجتمع مع كل سطر نخطه سواء في الصحافة أو منتديات الحوار أم فقط لأننا وجدنا مساحة للطرح في هذا المنتدى أو ذلك المنبر انطلقنا نمارس هواية الكتابة. ولنسأل أنفسنا كم مرة قرأنا موضوعا في هذه المنتديات العامة وخرجنا بفائدة معنوية أو مادية دينية أو دنيوية. ثم لعلني أسأل ترى كم مليون ساعة نهدرها سنويا في متابعة تلك المنتديات وآخر الأخبار المجهولة المصدر؟ إننا لو افترضنا أن متابعي تلك المنتديات هم ثلاثة ملايين زائر (بعدد المستثمرين في الأسهم) يقضي كل واحد ساعة يوميا في المنتديات فإننا نهدر أكثر من مليار ساعة عمل سنويا، وهو جهد يكفي لبناء مدن صناعية ضخمة.
* أستاذ هندسة الإنتاج بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة