![]() |
الخلط بين فقه المعاملات التجارية والمالية والاقتصاد الإسلامي "1 من 3"
د. صالح السلطان
علوم أو تخصصات الاقتصاد economics والمحاسبة والمالية finance ونحوها تصنف أحيانا على أنها تخصصات اقتصادية economic disciplines، حيث يرتكز كل واحد منها على دراسة المال money والاقتصاد economy في جانب من الجوانب ضمن علاقة تكاملية، أي يكمل بعضها بعضا. لكن الدراسة تستند إلى أصول وتقوم على منهجية وأهداف وماهية ومنحى ومنهجية خاصة بكل منها بما يخدم الجانب الذي تدرسه. وطبيعة هذه الدراسة تحتم الاعتماد على التعبيرات الكمية، ومن ثم فالرياضيات والإحصاء (في الاقتصاد خاصة) هي أداة أساسية في النقاش والتحليل، ولكنها تتفاوت كثيرا في عمق وصعوبة الرياضيات المستخدمة. هناك علوم الفقه والقانون، وتهتم بعض فروعها أو أقسامها بدراسة قضايا ذات طبيعة مالية واقتصادية أو الأعمال التجارية، من حيث معرفة أو وضع الأحكام الضابطة للسلوك، ولذا يقوم النقاش فيها على التعبير اللفظي لا الكمي. أما الطائفة الأولى فليس من طبيعتها ولا شأنها معرفة أو وضع الأحكام والتشريعات كما هو الحال في الطائفة الثانية الفقه والقانون. لذا فإن أصول وأهداف وماهية ومنحى ومنهجية الفقه والقانون تختلف عما هو موجود في الطائفة الأولى من العلوم والتخصصات, وهذا الخلاف لا يعني وجود تعارض بينها. وشاع في العقود الأربعة الأخيرة اسم الاقتصاد الإسلامي. ويلاحظ أن عامة البحوث والمناقشات والمسائل التي ترد تحت هذا الاسم تعطي انطباعا على أنه فقه بأسماء عصرية. وتوضيحا، نجد أن أكثر المصنفات والمناقشات التي تحمل اسم "الاقتصاد الإسلامي"، هي من حيث حقيقة المحتوى فقهية في فقه مخصوص، كفقه الزكاة وفقه المعاملات المالية والتجارية ونحوها، كأحكام البيع والإجارة والتقسيط والتمويل عامة والمزارعة والتأمين والضمان والملكية والإنفاق وأنواع البيع المنهي عنها والغش والاحتكار والرشوة وغيرها كثير. وكان المفترض أن تدرج ضمن الفقه، لأن العبرة بالحقائق والمعاني. هل تسمية فقه المال والمعاملات الاقتصادية الاقتصاد الإسلامي مناسبة؟ لا, لا يخفى على الذين ناقشوا قضايا فقهية باسم الاقتصاد الإسلامي أن الفقه ليس مخصصا بنوع محدد من التصرفات العملية. ومن ثم فأحكام المعاملات المالية والتجارية والتصرفات المالية للأفراد وأحكام البيع والإجارة والضرائب والسوق والتأمين وتمويل البنوك داخلة قطعا في اختصاص الفقه، ويفتي فيها الفقهاء ومجامع الفقه والهيئات الفقهية. وما كتب قديما في كتب مستقلة حول أحكام موضوعات تعد في التعبير المعاصر اقتصادية من أمثال أحكام وآداب الكسب والإنفاق وأحكام المالية العامة والتصرف في المال العام والخراج وأحكام السوق هي في الحقيقة فقه، وهذا أمر واضح صريح، وليس محل اجتهاد واختلاف رأي، رغم إهمالها أو قلة بحثها في كتب الفقه الشاملة كالمغني والمجموع، وكان المفترض أن تتضمن هذه الكتب تلك الموضوعات. ومن ثم لنا أن نتعجب من إعطاء أبحاث هذا الفقه مصطلحا شقه الأول عبارة عن ترجمة لكلمة وربما كلمتين economy & economics نبتت معانيها في الغرب. وخلاف الاعتراض الجوهري السابق، هناك اعتراض آخر. إضافة أو زيادة كلمة إسلامي في سياق الحديث عن تخصص أو علم لا تقلب التخصص أو العلم إلى علم آخر موجود من قبل، وله اسمه المعروف به، بل تعني أن ذلك التخصص أو العلم المعهود في الذهن موصوف بأنه إسلامي، فمثلا، قولنا طب إسلامي تعني أن الطب بالمفهوم الذي نعرفه أو تعهده أذهاننا (وهو باختصار علاج الجسم والنفس، انظر مثلا لسان العرب)، لكن بمنهج أو طريقة علاج مصدرها الوحي وليس الكون، ولا يصلح بتاتا أن نبدأ بتعريف الطب الإسلامي بوضع تعريف وفهم آخر لما تدل عليه كلمة طب، كأن نقول إن المقصود هو الأحكام الشرعية التي تتناول أوضاعا متعلقة بالصحة والمرض. بمعنى لا يستساغ أن يؤلف فقيه كتابا باسم الطب الإسلامي، ويكون تركيز الكتاب على الأحكام الشرعية في حالات المرض والإعاقة والعجز البدني، أو الأوضاع البدنية التي لها أحكامها الشرعية الخاصة بها كالحيض أو التبرع بالأعضاء ونقل الدم أو مسؤوليات الطبيب الشرعية ونحو ذلك. وبالمثل، إذا جاءت عبارة اقتصاد إسلامي في سياق الحديث عن علم أو تخصص، فالمفروض أن يكون المعنى علم أو تخصص الاقتصاد المعهود بالذهن موصوفا بأنه إسلامي. وهذا المعهود في الذهن، أعني علم الاقتصاد ليس من شأنه أصلا دراسة الأحكام، بغض النظر عن مصدرها، وموافقتها أو مخالفتها الشريعة. ولذا إذا قلنا اقتصاد إسلامي وقصدنا أحكام المعاملات التي تدخل في دائرة النشاط الاقتصادي، فهذا يسبب التباس الأمر على بعض الناس، بين طبيعة كلا العلمين الفقه والاقتصاد، (وهذا قد وقع حقيقة) وهذا يخالف الهدف من وجود المصطلحات. طالما أن عندنا فقه، فلماذا نضع تسمية أخرى تسبب لبسا وإشكالا؟ |
الساعة الآن 08:58 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd