مخاوي الليل |
27-03-2009 08:13 PM |
من دبي إلى جدة .. (رايح جاي !!)
من دبي إلى جدة .. (رايح جاي !!)
د. أمين ساعاتي
قبل أربع سنوات كتبت مقالة في هذه الصحيفة الغراء عن السباق المحموم في البناء والتعمير بين كل من مدينة دبي ومدينة جدة، ونوهت إلى أن طبيعة البناء والتعمير في دبي تختلف عن طبيعة التنمية الشاملة في مدينة جدة، ووصفت عمليات البناء في دبي بأنها تتم في مدينة واحدة من خلال اقتصاد مشرع ومفتوح على مصراعيه، وتنفذ مشاريعه بوتيرة سريعة أكثر من اللازم، بينما عملية التنمية في جدة تتم في إطار منهجية اقتصادية وخطة تنموية شاملة لجميع القطاعات في جميع المدن السعودية.
وحينما تكون وتيرة بناء المدن بهذه السرعة الفائقة وفي ظل اقتصاد مفتوح لكل من هب ودب، كما هو الحال في دبي، فسوف يترتب عليها كثير من المخاطر نتيجة التغيرات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي كثيراً ما تنذر باحتمالات التصدع والسقوط لأي سبب من الأسباب.
وطوال السنوات الأربع كنت أراقب بقلق معدلات البناء والعمار الفائقة في دبي، بل كنت أراقب بمزيد من القلق حجم الدين الذي اقترضته دبي والذي اقترب من 80 مليار دولار، وأصبحت الديون تعادل ضعف حجم الناتج المحلي الإجمالي حتى تستمر الإمارة في عمليات بناء الأبراج الشاهقة والمخططات الوارفة، بينما أخذت عمليات البناء في جدة تترتب مقارنة بما يحدث في دبي من تقدم صارخ، ولكن حينما ارتفعت الأبراج الشاهقة والمخططات الوارفة في دبي لم تجد من يسكنها ويشغلها، فاتجهت الإمارة إلى تسهيل باب الهجرة، وفتح الأبواب على مصاريعها ليتدفق إليها الناس من كل حدب وصوب حتى أصبح نحو 89 في المائة من سكان دبي من جنسيات هندية وبنجالية، وهو ما أضاف إلى مخاطر التطوير مخاطر ديموغرافية تهدد مستقبل الأمن والاستقرار في دبي.
وإذا كانت السرعة الفائقة في البناء قد جعلت قوة تحمل الهجمات هشة وضعيفة، فإن دبي أولى المدن الخليجية التي لم تستطع أن تتحمل الأزمة المالية العالمية، واليوم تتعرض دبي لأزمة وشيكة بدأت بتوقف رافعات العمل أمام الأبراج التي لا تزال قيد الإنشاء، ثم قامت الإمارة بتفنيش عدد كبير من العمال، وهكذا دخل الاقتصاد (المنفوخ!) نفق الكساد الخطير الذي ربما تكون عواقبه ـ لا سمح الله ـ وخيمة.
ومنذ اندلاع الأزمة المالية العالمية تعاني جميع البنوك الإماراتية تراجع السيولة لديها بعدما توقف حصولها على القروض من البنوك الدولية, الأمر الذي دفع الحكومة الاتحادية إلى ضخ 120 مليار درهم لمساعدة البنوك على مواجهة شح السيولة، ولكن ـ مع ذلك ـ دخلت البنوك الإماراتية في أجواء الأزمة وأعلن بنك الإمارات دبي الوطني الذي أصبح أكبر بنك من حيث الأصول (282 مليار درهم) عن انخفاض أرباحه بنسبة 99 في المائة للربع الأخير من عام 2008 بسبب تكبد البنك خسائر بقيمة 2.2 مليار درهم جراء تراجع استثماراته في المحافظ الاستثمارية. |
أمَا من ناحية التطوير العقاري الذي برعت فيه دبي فقد أصيب قطاع التطوير العقاري بنكسة واسعة الأرجاء حيث أعلنت "إعمار العقارية" أنها منيت بخسارة قيمتها 1.7 مليار درهم في الربع الأخير من عام 2008، وأنها ـ لذلك ـ ألغت ثلاثة مشاريع عقارية كبرى "هي" و"أسمران" و"ميسان"، كما أن التسهيلات التي قدمتها "إعمار" إلى عملائها لتمويل بيع وحداتها السكنية لم تفلح في تنشيط حركة البيع التي سجلت تراجعاً قياسياً في جميع المناطق في دبي، تقدر بـ 40 في المائة، ومن هذه المشاريع مشروعا "نخيل" و"دبي القابضة" الذي تملك فيه "إعمار" أكثر من 60 في المائة، وفي هذه الأجواء الصعبة تراجعت أرباح "إعمار" في عام 2008 بأكثر من 50 في المائة، حيث بلغت ثلاثة مليارات درهم من 6.5 مليار درهم عام 2007، ويومها قرر مجلس الإدارة عدم توزيع أرباح على المساهمين للاحتفاظ بالسيولة لمواجهة التزامات الشركة إزاء المشاريع التي تنفذها في نحو 17 دولة.
وفي مقابل ذلك كانت مدينة جدة تخطو خطواتها التنموية الوئيدة بخطى ثابتة وواثقة من خلال خطط تنموية موضوعية رصينة الأهداف ومحسوبة الخطوات، تتصل في النهاية بزيادة معدلات النمو المحلي الإجمالي الحقيقي.
ومنذ أن انفجرت الأزمة المالية العالمية هون المسؤولون في دبي من تأثير الأزمة، ونجحوا في اقتراض مبلغ عشرة مليارات دولار من بنك الإمارات المركزي، ولكن هذا المبلغ لم يكن كافياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث واصل الانكماش العالمي تسديد ضرباته على اقتصاد الإمارة، واستطاع أن يلحق مزيدا من الأضرار بجميع القطاعات، وتزايدت شكوك المستثمرين في قدرة دبي على إعادة تمويل مديونيتها, الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة التأمين ضد تخلف دبي عن سداد ديونها، ولقد بلغ عجزها الائتماني في الشهر الماضي أكثر من ألف نقطة أساس, الأمر الذي جعلها قريبة من فروقات السندات في جمهورية آيسلندا التي أعلنت إفلاسها وسقوطها بسبب ضغوط الأزمة المالية العالمية. |
وهكذا أصبحت الأزمة المالية في دبي أقوى من التهوين الذي قال به المسؤولون في دبي عند بداية انفجار الأزمة المالية العالمية، أصبحت أزمة يشعر بها الجميع، ولم يعد سراً أن أزمة دبي أصبحت تدار في العلن بين كبار المسؤولين وحتى صغار المسؤولين، ثم أخذت الأزمة بعداً دولياً حينما تناولتها بعض المنظمات المالية الدولية ووضعتها تحت مشرحة التحليل والدراسة الجادة، فأوضحت وكالة موديز العالمية للتصنيف الائتماني رؤيتها المستقبلية السلبية عن النظام المصرفي في الإمارات، بينما ذكرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن البنوك الإماراتية ستشهد كثيراً من التحديات خلال عام 2009 مرجحة عدم قدرة البنوك على تحقيق معدلات صافي الدخل التي حققتها في عام 2008، إضافة إلى ما يصاحبها من تراجع في رؤوس أموال بنوك أبو ظبي التي باتت أكثر عرضة للتأثر بأي تقلبات اقتصادية في المستقبل القريب، وفي السياق ذاته أوضح المعهد الدولي للشؤون المالية أن البنوك الإماراتية ظلت أكبر البنوك الخليجية من حيث حجم مديونيتها، حيث بلغت مديونيتها 45 في المائة من إجمالي الدين المصرفي لدول مجلس التعاون الخليجي، ومن ناحيتها أوضحت "هيرمس" حجم الخسائر الفادحة التي ضربت في عام 2008 سوق الأسهم في دبي وسوق الأسهم في أبو ظبي.
إذن لا شك أن دبي في أزمة مالية اقتصادية، ونتمنى أن تخرج منها بأقل الخسائر الممكنة، وهي قادرة ـ إن شاء الله ـ على الخروج من الأزمة بإيقاف شبح المضاربة في كل الأسواق.
وإذا كان من درس يجب أن نستفيد منه، فإن اقتصاد المدينة الواحدة الذي يعتمد على العقارات وتجارة الخدمات والسياحة.. سيضع اقتصاد المدينة في مهب القلاقل المدمرة.
* نقلا عن صحيفة "الإقتصادية" السعودية. |
|