الحكم الصحية :
ولا شك أن رأي الجمهور، باغتسال المرأة لكامل جسدهاً قبل الوطء يتوافق مع الرأي الطبي، ففيه تنشيط لأعصابها ولدورتها الدموية بعد فترة الحيض وما يرافقها عادة من همود وتعب، خاصة وأن الرائحة الخاصة للمرأة أثناء حيضها لا تقتصر على فرجها بل تمتد غالباً إلى مفرزات الجلد كافة، فيكون الغسل هو المناسب صحياً لزوالها، وهو الأقرب لمحبة الله سبحانه " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " .
فالأطباء منذ القديم أمثال أبو قراط وجالينوس اعتقدوا بوجود سموم في دماء الحيض، وأن بدن المرأة في تلك الفترة خبث كله .
وعزى د. ماخت (1943) ذبول الخضراوات إذا ما تناولتها الحائض إلى وجود تلك السموم.
كما أعلن جورج فان سميث (1950) أن وفاة حيوانات الاختبار بعد حقنها بكمية ضئيلة من دماء الحيض يعزى إلى وجود سموم فيها أسماها السموم الحيضية، غير أن برنارد زونديك (1953) برهن أن وفاة تلك الحيوانات يعزى إلى وجود الجراثيم في الحيض وليس لوجود سموم فيها.
ولقد أيدت الأبحاث الطبية الحديثة ما أثبته الشرع، مما قرره القرآن العظيم من ضرر وأذى يلحق كلاً من الرجل والمرأة إذا حصل الوقاع أثناء الحيض:
فعند المرأة : بعد انتهاء فترة الحيض يبدأ المبيض بإفراز هرمون الجريبين الذي يزداد تدريجياً ليصل ذروته في وقت الإباضة(في اليوم الرابع عشر لدروتها الطمثية)، ثم ينخفض تدريجياً لينعدم مع بدء الحيض التالي ويبقى منعدماً طيلة فترة الحيض.
وفي حياة المرأة الجنسية يقوم هرمون الجريبين بوظائف دفاعية هامة لعضويته .
فهو يحض على نمو الطبقة البشروية الغدية لبطانة الرحم، ويزيد من مفرزاته المخاطية حيث تتشكل منها في عنق الرحم سدادة مخاطية تغلق زمن الطهر وتحول دون دخول الجراثيم التي يحملها عضو الرجل عادة أثناء الجماع ـ إلى الرحم، مانعة حصول أي إنتان كما يزيد الجريبين من نشاط أهداب الخلايا البشروية، والتي تساهم أيضاً في دحر أي أنتان، وينعدم كل هذا النشاط الوقائي للرحم أثناء الحيض لانعدام إفراز هذا الهرمون في تلك الفترة، كما أن مخاط السدادة يتميع وينزلق مع دم الحيض تاركة عنق الرحم مفتوحاً أمام الجراثيم الغازية.
وفي المهبل، فإن للجريبين فعل منم للخلايا مفتوحاً أما الجراثيم الغازية.
وفي المهبل، فإن للجريبين فعل منم للخلايا الظهارية لبطانته يزيد من سماكتها بحيث تشكل طبقتها السطحية حاجزاً دفاعياً هاماً، كما يزيد الجريبين من مفرزات المهبل الحامضية (لوجود حامض اللبن )، هذا الوسط الحامضي يمنع الجراثيم الممرضة ويقتلها ويطهر المهبل منها.
أما أثناء المحيض، فإن الدم النازف، وانعدام الجريبين، يعدل الوسط الحامضي للمهبل أو يجعله قلوياً مما يخفض من مقاومته للإنتان إلى حد كبير ويجعله صالحاً لتكاثر الجراثيم الممرضة مما يؤهب للالتهاب.
ويحمل عضو الرجل على سطحه العديد من الجراثيم بشكل متعايش غير ممرض في الحالات الاعتيادية، وهي تدخل مهبل المرأة بشكل عفوي أثناء الجماع.
ولعدم وجود أي مقاومة للجراثيم في المهبل، فإنها تنتقل عبر عنق الرحم المنفتح خلال هذه الفترة منتقلة إلى باطن الرحم وتدخل من خلال غشائه المتسلخ النازف إلى الدورة الدموية مما يؤدي إلى حصول التهابات خطيرة في الرحم قد تمتد إلى الحوض والملحقات والمبيض وما يرافق ذلك من آلام شديدة، كما أنها قد تؤدي إلى العقم.
وإذا أضفنا لهذا كله أن مقاومة المرأة للأمراض تتضاءل إلى حدها الأدنى أثناء المحيض علمنا خطر الجماع على المرأة في تلك الفترة وإمكانية تيقظ ما كان كامناً من التهابات في أعضائها الجنسية، ومن اشتداد الانتان وخطورته عليها .
هذا ومن طبيعة العمل الجنسي أن يتقلص الرحم أثناء الرعشة الجنسية ثم يسترخي مرتشفاً محتويات المهبل من مني ومفرزات، وما تحتويه من جراثيم ممرضة، تدخل إلى باطن الرحم المتسلح أثناء الطمث مؤدياً إلى التهاب الرحم أيضاً.
هذا علاوة على أن مني الرجل يحتوي على مادة البروستاغلاندين، وهي مادة إذا دخلت الدورة الدموية للأنثى أدت إلى إحداث نقص شديد في مناعتها وقد تتعرض بذلك للهلاك عند إصابتها بأضعف الأمراض، لكن رحمة الله جعلت من بطانة الرحم عندها سداً منيعاً، إذ تقوم بإفراز مادة مضادة للبروستاغلاندين، تعدلها وتمنع تسربها إلى جسم المرأة إذا حصل الجماع وقت الظهر.
أما إذا حصل أثناء المحيض فإن بطانة الرحم المتسلخة تكون غير قادة على القيام بهذه المهمة ويستطيع البروستاغلاندين، بعد أن يرتشف إلى باطن الرحم أن ينفذ إلى الدورة الدموية ليقوم بدوره المخرب .
والهرمونات النخامية (الجريبين) التي تكون منخفضة جداً أو معدومة أثناء المحيض لا غنى عنها لإفراز المادة الشبقية في مهبل المرأة أثناء الجماع، وهذا ما يجعل المرأة معرضة بطبعها عن الجماع في فترة حيضها، وهذا ما يوضح كيف أن الخطاب وجه في الآية إلى الرجال دون النساء .
وهناك دراسة حديثة تبين علاقة حدوث سرطان عنق الرحم بكثرة حدوث الجماع أثناء المحيض .
أما عند الرجل : فالجماع أثناء المحيض يؤدي إلى تسرب مفرزات المهبل ودم الطمث وما فيها من جراثيم إلى إحليل الرجل مؤدية إلى التهابات فيه متباينة الشدة وقد تمتد منه لتصل إلى الحويصلات المنوية فالموثة (البروستات) فالبربخ فالخصية، مؤدية إلى آلام شديدة في العجان، أثناء المشي والتبول والجلوس .
وإن عدم إصابة رجل ما إذا وطئ زوجته مرة وهي حائض لا يعني أبداً انعدام وجود عوامل الأذى .
ثم أن رؤية الدم ورائحته الكريهة كثيراً ما تعرض الزوج للنفور والاشمئزاز ويؤدي لإصابته بما يسمى "القرف الجنسي" تجاه زوجته
وقد أجرى الدكتور محمد عبد اللطيف دراسة ميدانية عند 60 امرأة تأكد له من خلالها وجود دورة لعضويات المهبل مرتبطة تماماً بالدورة الهرمونية للمبيض حيث وجد أن عصيان دودرلين(النافعة) تتواجد بكثرة طيلة فترة الطهر وتختفي تماماً أثناء الطمث في حين تواجدت أثناءه الجراثيم الضارة بأعداد كبيرة حيث تتوضع في أسفل المهبل في حين بدا الجزء العلوي منه خالياً منها تماماً.
كما وجد أن المشعرات المهبلية تزدهر وقت الحيض أربعة أضعاف ما كانت عليه وقت الطهر.
وعصويات دودرلين هي الحارس الأمين في المهبل ضد الجراثيم الضارة وهي تعيش على مخزون السكر في خلايا المهبل، هذا المخزون يتعلق بنسبة الهرمونات المبيضية في الدم، حيث وجد أن أعلى تركيز للسكر في هذه الخلايا يكون في منتصف الدورة الشهرية، ويقل تدريجياً حيث ينعدم تماماً قبيل الحيض بساعات وأثناءه.
وهذا هو السبب في أن عصويات دودرلين تلك تصل إلى قمة تكاثرها ونشاطها في منتصف الدورة. وعند حدوث الحيض نزول الدم فإن درجة التأين الحمضي للمهبل تنقلب إلى القلوية فتموت تلك العصويات وتنجرف مع تيار الدم إلى الخارج، مما يهيؤ الفرص كلها لنمو وتكاثر الجراثيم الضارة.
وذلك لأن عصويات دودرلين تحول السكر إلى حمض اللبن القاتل للجراثيم الضارة فتمتنع عن التكاثر أو تموت مع وجود عصويات دودرلين.
وفي غياب عصويات دودرلين تتكاثر الجراثيم الضارة المهبلية كما تستدعي صويحباتها من جراثيم الشرج ومجرى البول، كأنما حفل أقيم ووليمة قد أعدت والشرطي غائب، فتتكاثر أيضاً، وليس من رادع يمنع دخولها إلى باطن الرحم المتهتك، وهكذا فعضو الرجل الرطب والذي يتلوث في مدخل المهبل بتلك الجراثيم يدخلها معه لتقوم بفعلها الغادر المؤذي لكل الجهاز التناسلي للمرأة.
وصفوة القول فإن أضراراً واضحة أثبتها الطب تلحق بكل من شريكي الجماع إذا حصل أثناء المحيض، ويمكن أن تكون هي، مع غيرها مما لم نعرفه بعد، هو الأذى المذكور في قوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) وهو إعجاز قرآني طبي، يأتي في قمته أن يكون الأمر للرجل لأنه هو العنصر الفاعل في المناسبة الجنسية، ولأن المرأة تعافها بطبعها أثناء المحيض.
ولأن النفاس، هو وضع فيزيولوجي (غريزي) مشابه، كان اعتزال المرأة فيه واجب كذلك، وهو ما اتفقت عليه المذاهب الإسلامية.
الاستحاضة: إذا كان الفقهاء قد اتفقوا على حرمة الوطء في الفرج أثناء المحيض والنفاس فقد اختلفوا في الحكم عليها إذا كانت المرأة مستحاضة.
وفي بحث مستفيض عرض الدكتور ضياء الدين الجماس الحالة المرضية التي تكون عليها المرأة في أثناء استحاضتها ثم ناقش الآراء الفقهية المتباينة حول الحكم الشرعي للجماع فيه، نقتطف منها الخلاصة التالية:
الاستحاضة حالة تشبه المحيض من حيث وجود سيلان دموي من الفرج، لكنها تختلف عنه أنها حالات من نزوف مرضية لها أسباب كثيرة أهمها:
1. النزوف الطمثية: وتنجم عن تطاول فترة الحيض الطبيعية، ولا يخلوا الجماع فيها من خطر التهاب الرحم ورضوضة كما بينا.
2. النزوف الرحمية: وهي نزوف تحدث لسبب أو علة موضعية في الرحم وهي إما تحدث أثناء الحمل أو في غير حالة الحمل.
فالنزوف التي تحدث أثناء الحمل، كالرحى العذارية والحمل خارج الرحم وارتكاز المشيمية المعيب أو انقلاعها الباكر..
وكلها حالات مرضية قد تهدد حياة الأم أو الجنين، كما أنها تزداد سوءاً بالجماع الذي يرض الرحم ويفاقم الحالة المرضية.
أما في غير فترة الحمل، فهناك حالات عديدة يمكن أن تؤدي إلى النزوف الرحمية(الاستحاضة)، كالتهاب باطن الرحم والأورام السليمة والخبيثة والبوليبات وعقب الرضوض التي تصيب الجهاز التناسلي للمرأة ودوالي المهبل وعنق الرحم، وأكثرها يزيد الجماع من شدة الرض وكمية النزف ويجب استشارة الطبيب المعالج قبل الإقدام على جماع المصابة بها.
ثم يستعرض د. الجماس الآراء الفقهية فيقول بأن الجمهور ذهبوا إلى إباحة وطء المستحاضة، مستدلين إلى ما رواه أبو داود عن عكرمة عن حمنة بنت جحش " أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها وقال : كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها "..
وأما عند الحنابلة فالرواية الراجحة أن المستحاضة لا توطأ إلا أن يخاف الزوج على نفسه الوقوع في محظور .
وتستند هذه القاعدة إلى ما رواه الخلال عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "المستحاضة لا يغشاها زوجها".
هذا بالإضافة إلى التعليل المنطقي من أن المستحاضة بها أذى الحيض، فيحرم وطؤها كالحائض.
ومن خلال بحثنا هذا ندرك عظمة الدين الإسلامي الحنيف في منع كل ما هو ضار لصحتنا، وهي تزداد رسوخاً في قلوبنا على مر العصور، ومع تقدم العلوم والمعارف الطبية وأنه دين الفطرة السليمة الذي يتوافق ـ قطعاً ـ مع الحقائق العلمية، وهو دين الحق المنقذ لنا من الضلال والهلاك في ديننا وآخرتنا.
المصدر : بحث لفضيلة العلامة الدكتور الطبيب محمد نزار الدقر
__________________
منقوووووول
|