#1
|
|||
|
|||
![]() مَن يُعيد لنا حق البكاء وتَاجَه؟
![]() أحتفظ بخبر طريف عن سيّدة استطاعت الفوز بـ"تاج البكاء" بعدما حطّمت رقماً قياسياً في النحيب المتواصل، لا بسبب مصيبة ألـمّـت بها، بل لإصرارها ألاّ يحمل غيرها ذلك اللقب! وكنتُ أعتقد أنّ العرب دخلوا كتاب "غينيس" على الأقل من باب النواح والعويل، تشفع لهم أنهر الدموع العربية التي جرت منذ الجاهلية إلى اليوم، منذ أيام المعلَّقات وحتى الأفلام المصريّة، وصولاً إلى النشرات الإخبارية. فعندما نزل شيطان الشِّعر على أشهر شاعر جاهليّ، ما وجد شاعرنا بيتاً يفتتح به تاريخ الغزل العربيّ غير "قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيب ومنزل". ومن يومها ونحن نتوارث البكائيات. فقد زوّد اللّه الإنسان العربيّ دون غيره ببطارية شجون وهموم، جاهزة لإمداده بطاقة البكاء.. أيّاً كان السبب. فالعربيّ يعيش على حافة البكاء، وحتى وهو يبدو متماسكاً لا يتوقف داخله مطر الدموع من الانهطال، مهما كانت نشرته الجويّة، كأنّه يستبق الكارثة، أو يخشى ضريبة السعادة، فيدفع زكاة قلبه قبل الأوان. وقد قال الإمام علي (رضي اللّه عنه): "لكلّ شيء زكاة، وزكاة القلب الحُزن". وربما كان للنظر زكاته أيضاً، وهذا ما نفهمه من قول مالك حداد: "ثمَّة أشياء هي من الجَمَال بحيث لا تستطيع أمامها إلاّ أن تبكي". تصوَّروا إذن مصيبة من ينتظر العطلة سنة كاملة كي يزور أماكن جميلة، وإذا به يقضي إجازته في البكاء.. لأنّ المكان أجمل ممّا يحتمل قلبه! كنت أعتقد قبل ذلك الخبر، أنّ لنا في الخنساء مفخَرَة، بعد أن لزمت المسكينة قبر أخيها حتى ماتت، فمنحتنا شرف الموت بكاءً. يا لغُبن الخنساء، الشاعرة التي افتتنت أنيسة بومدين (زوجة الرئيس الجزائري الراحل) بذلك الكَم من الدموع الذي ماتت بغصّته فخصصت لمأساتها بحثاً مطوَّلاً. كيف لها أن تعلم أنه سيأتي يوم يكون فيه للبكاء جوائز ومسابقات.. وتيجان واحتفالات؟ لو جاء مَن يخبرها بذلك وهي عند قبر صخر تنتحب، لوفّرت على نفسها دموعاً أودَت بها، مادام تاج "المرأة الباكية" سيذهب إلى أخرى اختارها نادٍ ليلي في "هونغ كونغ" بعد ليلة حامية علا فيها العويل.. على أيّ صوت. ولو نُظّمت هذه المسابقة في مقبرة، لَمَا وجدوا بين الثكالى واليتامَى مَن يفوز بها، لأنّ الألم الكبير لا دموع له. وأذكر أنّي التقيت والدة الشهيد محمد الدرَّة، بعد فترة وجيزة من استشهاد ابنها، وكان لها نُبل الألم وصمته، بينما لم يستطع المشاركون في تلك المناحَة الجامعية، أن يكفّوا عن النحيب حتى بعد إعلان اسم الفائزة باللقب، وهي نفسها لم تفد معها محاولات الآخرين بتهدئتها وإقناعها بأنه لا داعي بعد الآن لمزيد من العويل. فقد استمرّت تبكي ساعات "إضافيّة"، ربما من شدّة الفرح هذه المرّة، وانتهى الأمر بنقلها إلى المستشفى وتَاج البكاء على رأسها بعد ما أصيبت بنوبة هستيرية. وفي خبر آخر، قرأت تصريحاً لإيطالي يقول فيه: "كم أبكي عندما أرى ما حلّ بجبن الستلين.. أصبحوا يعملونه الآن من حليب مُعقّم يقتل الميكروبات.. التي هي في الواقع سرّ طعم هذا الجبن!". الإيطالي، الباكي، المتحسِّر على زمن الميكروبات، التي تعطي جبناً إيطالياً شهيراً بطعمه المتميّز، هو مؤسّس "حركة الطعام البطيء. وهو اسم يذكّرني بحركة تُدافع عن "الموت الرحيم". غير أنّ بكاءه لا علاقة له بالموت السريع أو البطيء الذي يهدّد العالم بسبب الحروب الجرثوميّة، مثلاً.. أو القنابل الانشطارية أو العنقودية. ذلك شأن آخر. فكلٌّ يبكي على "جبنته"، أو دفاعاً عن تاجه! وأذكر أنني في إحدى زيارتي، وبعد محاضرة ألهبت فيها القاعة وأبكيتها، وأنا أطالب بمناسبة وجودي في بلاد على حدود إسرائيل، بحقي في الصلاة في الأقصى والموت على عتباته، مادام من حق الإسرائيلي الدخول سياحاً إلى بلادنا، اختلت بي سيدة محامية، ونصحتني بالتروي في هجومي على إسرائيل. فقد كانت قبل ذلك بأسابيع تزور برفقة وفد من النساء العربيات مدينة سياحية، عندما رأت لأول مرة سيّاحاً إسرائيليين يتجولون مبتهجين بين الآثار، فأجهشت بالبكاء· وإذا برجال الأمن يحضرون ويطالبونها بأوراقها الثبوتية ويسجّلون اسمها وعنوان عملها، فسألتهم غاضبة إن كان ثمّة من قانون يمنعها من البكاء في حضرة إسرائيلي يتجوّل في بلادها، فجاءها الجواب إنها ببكائها ذاك أساءت إلى ضيوف البلاد. أمّا التوضيحات الأخرى، فقد حضروا في الغد إلى مكتبها ليقدّموها لها على حِدَة. أمّا وقد سُلب منا تاج البكاء، أخاف يوماً لن نستطيع فيه البكاء حتى من إهانة أعدائنا، إلاّ بذريعة النواح على جبن إيطالي، وعلينا بالمشاركة في مسابقة للبكاء ينظمها نادٍ ليلي |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فوائد البكاء الصحية | همس الجروح | الطب والصحة | 17 | 04-06-2014 05:49 PM |
اضرار وخطر البكاء | felabe | الطب والصحة | 11 | 05-05-2009 11:57 AM |
البكاء يطيل عمر الفتيات !!!!!!!!! | M A N | الطب والصحة | 5 | 14-04-2007 09:30 AM |
انواع البكاء | sami haroon | ركن الذهبية العام | 6 | 18-01-2007 05:23 PM |
خطورة حبس البكاء : يا دموع تبتسم | العرب أهلي | ركن الذهبية العام | 12 | 19-10-2006 04:47 AM |