الجن الصالحين

[hazmi jeddah]

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد سيد العالمين ..وبعد

الجن الصالحين

قال سهل بن عبد الله كنت ناحية ديار عاد إذ رأيت مدينة من حجر منقور في وسطه قصر من حجارة منقورة سقوفه وأبوابه تأويه الجن فدخلت معتبرا فإذا شيخ عظيم الخلق يصلي نحو الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقه كتعجبي من طراوة جبته فسلمت عليه فرد علي السلام وقال يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب وإنما تخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت وإن هذه الجبة علي منذ سبعمائة سنة بها لقيت عيسى ابن مريم ومحمد صلى الله عليه وسلم فآمنت به , فقلت له من أنت ؟ قال أنا الذي نزلت فيّ { قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن } .

وعن سري بن إسماعيل يذكر عن يزيد الرقاشي أن صفوان بن محرز المازني كان إذا قام إلى تهجده من الليل قام معه سكان داره من الجن فصلوا بصلاته واستمعوا لقراءته قال السري فقلت ليزيد وأني علم ؟ قال كان إذا قام سمع لهم ضجة فاستوحش لذلك فنودي لا ترع أبا عبد الله فإنما نحن إخوانك نقوم للتهجد كما تقوم فنصلي بصلاتك قال فكأنه أنس بعد ذلك إلى حركتهم.

وعن يحيى بن عبد الرحمن العصري قال حدثتني إمرأة خليد عن خليد قال كنت قائما أصلي فقرأت هذه الآية { كل نفس ذائقة الموت } فرددتها مرارا فناداني مناد من ناحية البيت كم تردد هذه الآية فلقد قتلت بها أربعة نفر من الجن لم يرفعوا رؤوسهم إلى السماء حتى ماتوا من تردادك هذه الآية قالت فوله خليد بعد ذلك ولها شديدا وأنكرناه حتى كأنه ليس الذي كان .

وعن أبو التمار قال غدوت يوما قبل الفجر إلى مسجد الحسن الحفري فإذا باب المسجد مغلق وإذا الحسن جالس يدعوا وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه ثم قام فأذن وفتح باب المسجد فدخلت فلم أر في المسجد أحدا فلما أصبح وتفرق من عنده قلت له يا أبا سعيد إني والله رأيت عجبا قال وما رأيت ؟ فأخبرته بالذي رأيت وسمعت فقال أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون يشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ثم ينصرفون .

وعن محمد بن عبد العزيز بن سلمان العابد قال كان أبي إذا قام من الليل يتهجد سمعت في الدار جلبة شديدة واستسقاء للماء كثيرا قال فنرى أن الجن كانوا يتيقظون لتهجده فيصلون معه .

وعن سري السقطي قال بدوت يوما من الأيام وأنا حدث فطاب وقتي وجن علي الليل وأنا بفناء جبل لا أنيس به فناداني مند من جوف الجبل لا تدور القلوب في الغيوب حتى تذوب النفوس من مخافة فوت المحبوب قال فتعجبت وقلت جني يناديني أم أنسي ؟ قال بل جني مؤمن بالله عز وجل ومعي إخواني قال قلت فهل عندهم ما عندك ؟ قال نعم وزيادة قال فناداني الثاني منهم لا تذهب من البدن الفترة إلا بدوام الغربة قال فقلت في نفسي ما أبلغ كلامهم فناداني الثالث منهم من أنس به في الظلام لا يبقى له اهتمام قال فصعقت فما أفقت إلا برائحة الطيب فإذا أترجة على صدري فشممتها فأفقت فقلت وصية يرحمكم الله ؟ فقالوا جميعا أبى الله أن تحيا به إلا قلوب المتقين فمن طمع في غير ذلك فقد طمع في غير مطمع ومن اتبع طبيبا مريضا دامت علته وودعوني ومضوا وقد أتى علي حين ولا أزال أرى بركة كلامهم موجودة في خاطري .



المرجع ـ كتاب ـ صفة الصفوة لابن الجوزي