أحلام مؤجله

[لحظه حب]

منذ لحظة ميلادك والآمال معلقة عليك وحدك.. فبعد صرخاتك الأولى بدقائق همست الأم في أذن زوجها تذكره بأنها أنجبت ولدا كما تمنى، قرر هو أن يسميك حسن. كانوا قد توسموا فيك حسن الأدب والطاعة من قبل أن تولد. أعلن الأب رغبته في أن تكون طبيبا، يكرر على مسامعك تلك الأمنية وأنت في مهدك، في السابعة يعلمك الصلاة، ويضربك عليها في سن العاشرة، ولا ينقذك من بطشه سوى معلمك في المدرسة الذي عقد عليك أمالا في أن تحفظ القرآن في زمن قياسي. ها أنت في الرابعة عشرة مثالا وقدوة لأخواتك، وحين تنحرف ناحية الموسيقى واللهو، تشي بك أختك الصغرى لدى الأب، وتخبره عن جلساتك مع أصدقاء الدف والمزمار، ويظن الجميع أنك خيبت أمالهم، وعلى عكس المتوقع، احتواك الأب.. كان هادئا في تلك المرة، جلس يذكرك بما لقنك إياه في المهد. حان وقت دخول الجامعة، بعد عزلة قضيتها في محبسك وسط أخواتك البنات محروما من عبث الشباب ولهوهم، حققت أمنية الوالد الراحل ودرست الطب، بل تخرجت متفوقا وأصبحت من مشاهير العائلة.. تحققت أمال الأب في قبره وتحققت أمال الأم برضا زوجها، وتحققت أمال الأخوات في متابعة قصة نجاح كانت كل منهن تظن أنها ساهمت في صنعها . الآن أنت في عامك الرابع والثلاثين.. تستقر في إحدى الولايات الأميركية جوار زوجتك الأجنبية، تعزف الغيتار في فرقة موسيقية لا يسمعها أحد حسب وصفك أنت. أتصور مشهد والديك إن بعثا من قبريهما ورأوا حالك اليوم، سيظن كل منهما أنهما ما أنجزا شيئا في حياتهما، لقد خدعت الجميع، وأسعدت الجميع، حققت الآمال المعلقة التي طوقت عنقك لسنوات، إلى أن ولدت من جديد في أرض بعيدة وبدأت في تحقيق أحلامك المؤجلة. كنا قد اقتدينا بك، وتابعناك كمشروع ضخم للعائلة، والآن نراقبك من بعيد من دون قدرة على الاستمرار في الاقتداء بك واتخاذ مثل هذه الخطوات الجريئة. هنيئا لك.. ولنا، فربما يأت يوم نحقق فيه أمالنا وأحلامنا نحن أيضا، يا أخي العزيز !