الذهبية - ما أروع حسن الخاتمة

كنت أتحدث مع إنسان عزيز وقدحت الذاكرة بقصة رجل قرأت عنه منذ زمن طويل
ذلك الرجل اتصف بصفات سيئة وكان شاعرا
رجل عرف في عصره بالمجون والفسق والفجور
عرف في عصره بإدمان شرب الخمور ... انه أبو نواس

هو القائل في شعره محرفا لمعنى كلام الله عز وجل :

دع المساجد للعباد تسكنها *** وطف بنا حول خمار يسقينا
ما قال ربـك ويـل للؤلاء *** سكروا بل قال ويل للمصلينا

في آخر شهر في حياته مرض مرضا شديدا فكان الذين يعودونه في مرضه هم على شاكلته
لا يذكرونه إلا بما يزيده بعدا عن الله عز وجل.

حتى زاره رجل صالح وجلس عند رأسه وسأله قائلا :
يا أبا نواس هل تذكر عملا صالحا عملته لله عز وجل ترجو ثوابه من الله
فجلس يفكر أبو نواس كثيرا ... ولم تسعفه ذاكرته .... استحى من الرجل ... واستحى من نفسه كيف يقدم على ربه وهو لا يذكر عملا صالحا عمله طوال حياته... يقربه إلى الله عز وجل
ما أسوئها من حياة أن تقضيها في معصية الإله سبحانه وتعالى

خرج الرجل الصالح من عند ابونواس ... وجلس أبو نواس يعصر ذاكرته لعله ... لعله يجد عملا واحدا
ربما يكون له وجه عندما يقابل ربه سبحانه وتعالى .

ولكنه عجز أن يتذكر فبكاء بكاء شديدا
ثم انشد شعرا يقول فيه :

يارب إن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسـن *** فبمن يلوذ ويستجير المجرم
ادعوك ربي كما أمرت تضرعا *** فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجــاء *** وجميل عفوك ... ثم أني مسـلم

وسقط الرجل ومات ... قال أبياته الأخيرة أبو نواس وخر ميتا
ما أجمل التوبة والإنابة والرجوع إلى خالقك
ما أجمل الدعاء في آخر الحياة ترتجي رحمة ربك وتتذكر ماضيك
ما أجمل أن يودع الإنسان هذه الحياة ... وهو يرجو رحمة ربه ويخاف عقابه

ما أروع حسن الخاتمة