| 
				 فن السرور 
 
			
			
 فن السرور
 
 من كتاب لا تحزن للدكتور عائض القرني
 
 من أعظم النعم سرور القلب ، واستقراره وهدوءه ، فإن في سروره ثبات
 الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس ، وقالوا. إن السرور فن يدرس ، فمن
 عرف كيف يجلبه ويحصل عليه ، ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسار
 العيش ، والنعم التي من بين يديه ومن خلفه. والأصل الأصيل في طلب السرور
 قوة الاحتمال ، فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث ، ولا ينزعج
 للتوافه. وبحسب قوة القلب وصفائه ، تشرق النفس.
 
 إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس ، رواحل للهموم والغموم
 والأحزان ، فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه المزعجات ، وخفت عليه
 الأزمات.
 
 إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ***  فأهون ما تمر به الوحول
 
 ومن أعداء السرور ضيق الأفق ، وضحالة النظرة ، والاهتمام بالنفس فحسب ،
 ونسيان العالم وما فيه ، والله قد وصف أعداءه بأنهم ( أهمتهم أنفسهم ) ،
 فكأن هؤلاء القاصرين يرون الكون في داخلهم ، فلا يفكرون في غيرهم ، ولا
 يعيشون لسواهم ، ولا يهتمون للآخرين. إن على وعليك أن نتشاغل عن أنفسنا
 أحيانا ، ونبتعد عن ذواتنا أزمانا لننسى جراحنا وغمومنا وأحزاننا ،
 فنكسب أمرين : إسعاد أنفسنا ، وإسعاد الآخرين.
 
 من الأصول في فن السرور : أن تلجم تفكيرك وتعصمه ، فلا يتفلت ولا يهرب
 ولا يطيش ، فإنك إن تركت تفكيرك وشأنه جمح وطفح ، وأعاد عليك ملف
 الأحزان وقرأ عليك كتاب المآسي منذ ولدتك أمك. إن التفكير إذا شرد أعاد
 لك الماضي الجريح والمستقبل المخيف ، فزلزل أركانك وهز كيانك وأحرق
 مشاعرك ، فاخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد ، {
 وتوكل على الحى الذي لا يموت } .
 
 ومن الأصول أيضا في دراسة السرور : أن تعطي الحياة قيمتها ، وأن تنزلها
 منزلتها ، فهي لهو ، ولا تستحق منك إلا الإعراض والصدود ، لأنها أم الهجر
 ومرضعة الفجائع ، وجالبة الكوارث ، فمن هذه صفتها كيف يهتم بها ، ويحزن
 على ما فات منها. صفوها كدر ، وبرقها خلب ، ومواعيدها سراب بقيعة ،
 مولودها مفقود ، وسيدها محسود ، ومنعمها مهدد ، وعاشقها مقتول بسيف
 غدرها.
 
 أبني أبينا نحن أهل منازل ***  أبدا غراب البين فيها ينعق
 
 نبكي على الدنيا وما من معشر ***  جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
 
 أين الجبابرة الأكاسرة الألى  ***  كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
 
 من كل من ضاق الفضاء بعيشه ***  حتى ثوى فحواه لحد ضيق
 
 خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا *** أن الكلام لهم حلال مطلق
 
 وفي الحديث : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) وفي فن الآداب :
 وإنما السرور باصطناعه واجتلاب بسمته ، واقتناص أسبابه ، وتكلف بوادره ،
 حتى يكون طبعا.
 
 إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس والتذمر والتبرم.
 
 حكم المنية في البرية جاري ***  ما هذه الدنيا بدار قرار
 
 بينا ترى الإنسان فيها مخبرا *** ألفيتة خبرا من الأخبار
 
 طبعت على كدر، وأنت تريدها  ***  صفوا من الأقذار والأكدار
 
 ومكلف الأيام ضد طباعها ***  متطلب في الماء جذوة نار
 
 وإذا رجوت المستحيل فإنما ***  تبني الرجاء على شفير هاو
 
 والعيش نوم والمنية يقظة *** والمرء بينهما خيال ساري
 
 فاقضوا مآربكم عجالا إنما ***  أعماركم سفر من الأسفار
 
 وتركضوا خيل الشباب وبادروا ***  أن تسترد فإنهن عوار
 
 ليس الزمان وإن حرصت مسالما ***  طبع الزمان عداوة الأحرار
 
 والحقيقة التي لاريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار
 الحزن ، لأن الحياة خلقت هكذا { لقد خلقنا الإنسان في كبد }
 
 _( وَذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا
 خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ)___
 
 :: للفائدة
 
				__________________ توكلنا على الله  |