خطاب الشورى.. وثيقة ملك وأجندة حكومة
خطاب الشورى.. وثيقة ملك وأجندة حكومة
محمد سمان ـ جدة
من (منبر الشورى) و (تحت قبته) ومنذ أربع سنوات، مثلت خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (وثيقة ملك) إلى شعبه، وبرنامج حكومة داخلي وخارجي. قيل في الخطابات الملكية حينها، إن الملك عبد الله بن عبد العزيز يستخدم لغة حازمة وشفافة وصارمة في جميع القضايا ذات العلاقة بالشأن الداخلي، مثل: الحرية، العدالة، الحوار، التعايش، الإرهاب، الفساد، الاقتصاد، والتنمية، حتى السياسة الخارجية كانت على موعد دقيق معه. وصف الخطابات الملكية بذلك، يعتبر تحليلا منطقيا، يميل إلى ترتيب الأولويات في فكر ومنهج ورؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز أولا وأجندة وبرنامج حكومته ثانيا، وأساس ذلك التحليل هو علاقة الملك عبد الله بشعبه! ما حدث أنه بعد أيام قليلة من توليه مقاليد الحكم ومسؤولياته الجسام، لم يكن السعوديون في حاجة إلى وقت كبير لمعرفة مليكهم الجديد، لأنه لعب في السنوات السابقة لمبايعته دورا مهما في دعم حركة الإصلاح الإداري والسياسي، وفي استيعاب الحراك الداخلي نحو التطوير، ساعيا إلى ذلك بحكمة ورؤية وبعد نظر، عاملا على ضرورة مواكبة التطور. وهكذا يمكن القول، إن السعوديين ألفوا من خطابات ملكهم لغة تؤكد على القيم الإنسانية الرفيعة، وهم لا يجدون أمام مضمونها الصريح سوى التأييد والمباركة، فكلمات الملك عبد الله بن عبد العزيز صادرة من رجل يدرك بتعقيدات حياة الإنسان وحاجاته في عصر هو الأكثر حيوية واتجاها إلى صناعات غير مسبوقة تؤثر في حياة الناس، وتحرض الأمم على الدخول في تنافس ربما يكون وخيم العواقب في نتائجه. وعبر الملك شخصيا عن علاقة بشعبه في وثيقة خطاب السنة الثانية من الدورة الرابعة، بقوله: «لقد عرفتموني وعرفتكم خلال السنة الماضية، وقد كنتم على الدوام صادقين أوفياء للعهد، وستجدونني إن شاء الله مخلصا لديني ثم لوطني صادقا معكم وفيا للعهد، ستجدونني معكم في السراء والضراء أخا وأبا وصديقا وفيا».
خطاب الملك اليوم، سيكون فرصة لأعضاء مجلس الشورى خصوصا المنضمين الجدد إلى عضويته، أن يستمعوا لتأكيدات ملكهم، بأن السعودية لم تكن في يوم من الأيام بلدا منعزلا ومنطويا على ذاته، بل دولة تنطلق إلى الآفاق الرحبة وتخرج من الدوائر المغلقة والمحيط الصغير. على رغم أن البعض يرى أن تلك الآفاق ربما تمثل أعباء، فما لنا والآخرين! وهل استقرارنا ورفاهيتنا مرتبط بذلك!
إن السعودية دولة تدرك أهمية الاستقرار في المنطقة خصوصا بكل ما تعنيه الكلمة، كأساس لازدهار شعوبها، ولذا فقد أخذت على عاتقها ألا تتخلى عن مسؤولياتها في جميع المجالات. ولا يمكن لأي أحد أن يتجاوز حقائق الموقع السعودي في قلب الأمة الإسلامية ومسؤوليتها في خدمة وسدانة الحرمين الشريفين، وما التزمت به نحو ذلك بإنفاق ما يزيد عن 100 مليار ريال في عمارة الحرمين الشريفين، إضافة إلى موقفها من القضية الفلسطينية واللبنانية. ولعله من المناسب الإشارة هنا، إلى أنه وإن كانت الدولة السعودية قد نجحت في جمع شمل نسيج قبائل الجزيرة العربية، فهي أيضا نجحت في إثبات أن الصحارى الجرداء في ظاهرها هي منبع خير.
من جهة أخرى، فإن المراقب للخطاب الملكي، يجد أن الملك عبد الله بن عبد العزيز، يضع دوما الشأن الاقتصادي في المراتب الأولى بجانب الشأن المحلي، وهو أمر سيتجدد اليوم، باعتباره (فعلا طبيعيا) لا (فعلا مقصودا)، فالملك عبد الله بن عبد العزيز يذهب في كل مرة ويزيد إصرارا ليؤصل للمواطنين السعوديين الثقة في قيادتهم السياسية، ويمنحهم الارتياح بأنها صمام الأمان لاستقرار اقتصاد بلدهم على اعتبار أن (لقمة العيش) و(القرش الحلال) لمواطني بلادهم ورفاهيتهم هي مقصد وهدف نهائي لـ (ملك عادل)، ولإعطائه دفعة حقيقية تضيف إليه زخما، وتزيده قدرة على التطلع لغد مشرق.
الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي خبر الحكم لسنوات طويلة، ورافق شجون وشؤون الحكم يحظى بمحبة الناس، ويكن له السعوديون بمختلف فئاتهم احتراما وتقديرا لصفاته الكثيرة التي يتحلى بها، ومن بينها الإيمان والحزم والشجاعة والجرأة، إلى جانب التواضع، ومما لا شك فيه أن هذه الصفات ستساعد الملك عبد الله على قيادة شعبه، ورفع مستواه، وتوفير فرص التقدم والنجاح أمامه، وتلبية طموحات المجتمع السعودي الفتي الذي يشكل الشبان نسبة كبيرة فيه.
لا شك في أن السعودية تتمتع حاليا بعودة الفوائض المالية إليها، نتيجة لارتفاع أسعار النفط منذ العام 2003، وهذه الطفرة ستكون بالنسبة إلى الملك عبد الله عاملا مسهلا يساعد على إتمامها بظروف أسهل، الأمر الذي يضع السعودية أمام التحديات للمضي قدما في عملية التطوير، والسعي إلى اعتماد الاستخدام الأمثل للموارد المالية المتوافرة.
المرحلة الجديدة كما سيقرأها الملك في خطابه تعني إعطاء جرعة من مزيد من الثقة لمواطني بلاده ورعيته، وهي تشتمل على سبيل المثال لا الحصر: على الاستمرار في دعم القطاع الخاص، ودعم الاستثمار الأجنبي، وتطوير التعليم، والمدن الاقتصادية، ومنظمة العلوم والتقنية، والاستمرار في هيكلة مؤسسات وتطوير مؤسسات الدولة وقوانينها، وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والبطالة، والتوسع في التدريب.
أخيرا، إن حرص الملك عبد الله على خطاب الشورى سنويا فيه تكريس على أرض الواقع لـ "التجربة المؤسسية" في بلاده خصوصا في مجلس الشورى وعلاقته المباشرة بجميع مؤسسات الدولة بدءا من أعلى هرم فيها وهو مجلس الوزراء وانتهاء بالمؤسسات شبه الحكومية.
|