قصة يرويها الشيخ عباس بتاوي
 
الساعة الرابعة عصراً ، الوقت يمضي ، والسائق في الخارج ينتظر ... ألقت العباءة على كتفيها ، وألقت بالغطاء على رأسها ... لا بأس سوف أصلحها في السيارة .. 
ركبت السيارة ، كشفت الغطاء عن وجهها ، أصلحت من حال عباءتها ، تأكدت من حقيبتها ، الهاتف النقال ، المال ، عطرها .... لم تنس شيء .... انطلقت السيارة بهدوء نحو صالون التجميل ، وتجولت هي بنظرها ... وقفت السيارة ، ارجع إلينا الساعة الثانية عشر ... 
النساء كثير في الداخل ، لا بأس فأنا عميلة دائمة ومميزة ، لابد أن تراعي صاحبة الصالون هذا الأمر وإلا ... 
استقبال حافل ، تبادلن الابتسامات ، ذهب الخوف ، لن نتأخر كثيراً ... 
هذا حمام زيتي ، انتظري ساعة ... 
مجلة أزياء ، عرض لبعض التسريحات ، قلبت الصفحات تنقلت بين المجلات المختلفة
مضت الساعة ، ارتفع آذان المغرب ، أسلمت نفسها لمصففة الشعر ، جففت شعرها ، غاب الآذان ، ومضت الصلاة ... 
إزالة الشعر وتنظيف البشرة ، أنصتت لموسيقى هادئة ، تحولت لأخذ حمام مائي ... 
ارتفع الآذان ، إنها صلاة العشاء ، لم يتبق على الفرح سوى بضع ساعات ... 
وضعت رأسها بين يديّ المصففة ، اختارت التسريحة ، تناثر الشعر بين يديها ، يودعها وداعاً حزيناً ، ألقت نظرة إلى المرآة لم تعرف نفسها ، ارتسمت ابتسامة على شفتيها ، لن يسبقني أحد ... رسمت وجهها لطخته بالألوان ، تغيرت ملامحها ، نظرت إلى الساعة ، الواحدة ، ألقت العباءة على كتفها ، وبحذر شديد و ضعت الغطاء على رأسها ... 
ركبت السيارة ... إلى المنزل بسرعة لقد تأخرت ... 
لبست فستانها ، تعرت من حياءها ، بدت بطنها ، وسائر ظهرها ، أنكمش الفستان عن ركبتيها ، دارت حول نفسها ، لن يغلبني أحد ... 
العيون ترقبها ، الكل يتأملها ، نظرات الاعجاب تحيط بها ، تقترب منها ... 
نظرات السخط تنفر منها ، تغمض عينيها تقززاً من حالها ... 
السفيهات يلاحقنها بالتعليقات الساخرة ... 
رقصت على انغام الموسيقى ، اهتز جسدها ... 
تنوعت الأغاني وتنوع رقصها ... 
لم يسبقها أحد ، ولم يغلبها أحد ... 
الكل يتابعها ، الكل يتحدث عنها ... 
من أين أتت بكل هذا ؟ 
كيف تعلمت كل هذا ؟ وكيف حفظت كل هذه الأغاني ؟ 
الكل يعرف الإجابة ... 
توقفت عن الرقص ، سقطت على الأرض ، ارتفع الصراخ ، تدافع النساء إلى المسرح ، نادوها فلم تجب ، حركوها فما تحركت ، ارتفع الصراخ ، حملوها ، أحضروا الماء ، مسحوا وجهها ، بكت الأم والأخوات ، ارتفع العويل ، علا النحيب ، تدخل الأب والأخ ، اختلطت الأمور تحول الفرح إلى حزن ، والضحكات إلى بكاء ، توقف كل شيء ... 
ألبسوها ... غطوا ما ظهر من جسدها ... 
حضر الطبيب ، أمسك بيدها ، وضع سماعته على صدرها ، أرخى رأسه قليلا ، انطلقت الكلمات من شفتيه لقد ماتت ... لقد ماتت ... 
ارتفع النحيب ، جرت الدموع ... 
ألقت الأم بجسدها على صغيرتها الجميلة ، أخفى الأب وجهه بين يديه ، الأخ يدافع عبراته ، خلاص يا أمي خلاص ... 
قامت الأم مذهولة ، صرخت ، لقد تحركت ، تحولت الأنظار نحوها ، لقد جنت ، لقد ماتت هكذا قال الطبيب ... 
أسرع الأب والأخ والأخوات نحو الأم ... 
المشهد رهيب ، والمنظر مؤلم ... 
سقطت الأم على الأرض... 
الأخوات فقدن السيطرة على مشاعرهن ... 
والأخ يصرخ ... لا ... لا ... مستحيل ... 
تجلد الأب ، أمسك بالأخ ، وبلهجة حازمة أخرج الأخوات ، وهن يحملن أمهن ... 
حضر بعض النسوة من الأسرة ... 
نظروا إلى الميتة ، ترقرقت الدموع ، وضعت الكبيرة منهن يدها على رأسها ، انطلقت منها كلمة : فضيحة ... فضيحة ... 
أسرعت نحو الأب ، يجب أن تستر عليها ، أحضروا المغسلة هنا ، ادفنوها بين الصلوات ، إنها فضيحة ، ماذا يقول الناس عنا ... 
أرخى الأب رأسه ، نعم ، نعم ... إنا لله وإنا إليه راجعون ... 
جاءت المغسلة ، جهزت سرير الغسل ، وضعت الأكفان والطيب ، جهزت الماء ... 
أين جثة المتوفاة ؟... 
سارت العمة أمامها ، فتحت الباب ... 
الفتاة على السرير مغطاة بغطاء سميك ... 
وبجانب السرير وقفت الأم تكفكف دموعها ... 
أمسكت بورقة الوفاة ، الاسم ............ العمر : ثمانية عشر عام ، سبب الوفاة : سكتة قلبية ... 
شعرت بالحزن ، نطقت بكلمات المواساة للجميع ... 
كشفت الغطاء ، تحول الحزن إلى غضب ، لماذ تركتموه على هذا الوضع ، لقد تصلبت أعضائها ، كيف نكفنها ... 
الحاضرات لم يستطعن الإجابة ، سكتن قليلاً ... 
زاد حنق المغسلة ، انبعث صوت الأم ممزوجاً بالبكاء ... 
لم تكن هكذا حينما ماتت ، لقد اتخذت هذا الوضع بعد لحظات من موتها ... 
لقد سقطت على المسرح وهي ترقص ، حملناها جثة هامدة ، حضر الطبيب ، كتب التقرير ، ايقنت حينها بأنني قد فارقت ابنتي ، ألقيت بجسدها عليها ، رحت أقبلها ، وأبكي ، شعرت بيدها اليمين ترتفع ، ويدها اليسرى تعود وراء ظهرها ، أما قدمها اليسرى فقد تراجعت للوراء ، أرعبني الموقف ، صرخت حينها ثم سقطت على الأرض ، لأجد نفسي في غرفتي ومن حولي بناتي يبكين أختهن ، ويبكين نهايتها المؤلمة ... 
انتحبت بالبكاء ، أنا السبب أنا من فرط في تربيتها ، أنا من غشها ، ياويلي وياويلها من عذاب الله ياويل أباها وياويلنا جميعاً ... 
كانت تحب الرقص والغناء ، فماتت ...... ، وستدفن في قبرها ........ يارب ارحمها يارب ارحمني يارب اغفر لها ... 
محاولات لأعادة جسدها إلى وضعه الطبيعي ، الفشل كان النتيجة ... 
بذلت المغسلة مجهوداً جباراً في تكفينها ... 
وفي لحظة هدوء وبعيداً عن العيون ، نقلت الجنازة إلى المقبرة ... 
وهناك صلى عليها الأب والأخ وبعض المقربين ... 
نعم لقد دفنت وهي في وضع راقص ... 
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } التحريم / 6