أبراج دبي وفحيح الأفاعي !!

[مخاوي الليل]

أبراج دبي وفحيح الأفاعي !!



علي القحيص *
منذ ظهور الازمة المالية العالمية، وما تبعها من تداعيات على العالم، يكاد لا يخلو يوم لا نسمع فيه تقارير ودراسات وتحاليل غربية تحاول وبأي حال من الأحوال التركيز على ما يسميه البعض فشل تجربة دبي الاقتصادية، أما ما يدفع للاستهجان فعلا في هذا المجال هو أن معظم هذه الآراء تتصدر دوريات وصحف غربية تزعم انها موضوعية، وتتمتع بالمصداقية، وأنها تتعامل مع الحدث بشفافية، وهي مفردة يحلو للبعض في الغرب استخدامها من جانب واحد فقط، أي إنهم يطالبون الآخرين بها، قبل أن يطبقوها على أنفسهم،حيث انه من الغريب جداً ان تتسابق الصحف الغربية على الحديث عما تسميه فشل نموذج دبي الاقتصادي في الوقت الذي يغرق فيه العالم في أزمة مالية كبيرة،صنعت في الغرب وأبطالها هم مسؤولون غربيون، وعلى رأسهم إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، فمعظم الصحف الغربية راحت تتحدث عما تسميه انهيار دبي، أو فقاعة الصابون كما راق لبعضهم تسمية هذه التجربة العربية الفريدة والناجحة بشكل لافت، لدرجة أن مدينة دبي استطاعت وخلال فترة زمنية قياسية سرقة الاضواء من الكثير من المدن العالمية الشهيرة، ووصل الأمر ببعض الحاقدين على هذه التجربة الرائدة والفريدة الى القول "باي باي دبي" وكأنه وجد أمراً طال انتظاره بفارغ الصبر، وكأن كل ما استنتج من الازمة المالية العالمية هو فشل التجربة التي تقوم بها دبي ، علما بأن هذه الأصوات هي نفسها التي كانت تروج لدبي باعتبارها ( هونغ كونغ المنطقة)!
إن تجربة دولة الإمارات العربية ودبي جزء منها ليست طفرة عقارية وابنية ومراكز تسوق فقط كما يحلو للبعض من الحاقدين تسميتها، وليست أسهماً صاعدة ونازلة في اسواق البورصات، وانما هي سيرورة حضارية متكاملة، بدأت أول ما بدأت من خلال الإنسان، حيث يبدو واضحا كيف نقلت تجربة الاتحاد حال الامارات العربية، الى مستوى كبير من التطور والعلم خلال سنوات قليلة، انطلاقا من ايمان القيادة في هذا البلد من اهمية الانسان كأساس لأية عملية تنموية، فدولة الإمارات العربية ومنذ السنوات الاولى لاقامتها وضعت نصب اعينها بناء الانسان وجعلته محور اهتمامها في كل برامجها التنموية والحضارية المختلفة، وأنشأت واحات خضراء من الزراعة والثمار والورود والنخيل بدأت تصدره للخارج وتتبرع به للدول التي عرفت بإنتاج النخيل لدرجة ان الإمارات دخلت موسوعة غينيس ب 40 مليون نخلة مؤخراً.
كما ان دبي عندما انطلقت في اتجاهها القوي نحو الحداثة ودخول عالم المعرفة والتكنلوجيا، انما اعتمدت اولا وقبل كل شيء على عقول شبابها الذين استمدوا القوة والدعم من المساندة القوية التي قدمتها حكومة دبي للشباب في كل المجالات، ومع ان الازمة العالمية ارخت بظلالها على الكثير من اقتصاديات العالم وليس فقط على دبي، الا ان كل المؤشرات تقود الى ان الاقتصاد في امارة دبي بشكل خاص والامارات العربية المتحدة عامة في طريقه الى التعافي وربما اسرع من الاقتصادات الاخرى.
وهذا ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في آخر تصريح لأحدث جريدة إماراتية "نحن قادرون على التكيف مع الأزمة المالية والتعامل معها بطريقة ناضجة، واي إجراء اقتصادي سليم لا بد أن يتسم بقدر عال من الشفافية وهناك مبالغة في تقدير انعكاسات الأزمة علينا وتفسيرات خاطئة، لطبيعة علاقات إماراتنا ببعضها، مؤكداً أن مؤسسات الإمارات الوطنية العامة والخاصة ليست هشة، وأن الأزمة العالمية كشفت عن عيوب هيكلية في النظام المالي تتطلب سرعة تداركها لاحتواء تداعياتها. وأكد أن حكومة دولة الإمارات لا تعمل بمعزل عن مؤسسات القطاع الخاص وفلسفتها قائمة على تشجيع المبادرة الفردية وهي مؤسسات راسخة ومستقرة قادرة على المحافظة على مكانة الإمارات وسمعتها.
كما يؤكد مسؤولون اقتصاديون ورجال أعمال أن قيام حكومة دبي بإصدار سندات طويلة الأجل بقيمة 20 مليار دولار يبرهن أن اقتصاد الإمارة يتمتع بمصداقية عالية ويدحض الشائعات التي طالت قدرتها على سداد التزاماتها المالية، مشيرين إلى أن دبي تتمتع بديناميكية قوية تؤهلها لتخطّي أية أزمة اقتصادية.
واذا عدنا للتخرصات التي تطلقها بعض وسائل الاعلام في الغرب حول تحليلات، وحملات التشكيك المقصود بسياسة دبي الاقتصادية نلاحظ ان هذه الحملات لا تعدو كونها محاولات لوضع العصي في عجلات التطور المتسارع الذي تشهده هذه التجربة العربية المميزة، التي تثبت ان الانسان العربي ليس قادرا على العمل فقط عندما تتاح له الفرصة، وانما المنافسة القوية ايضا، وما الحملات التي تتعرض لها دبي وسياساتها الاقتصادية ماهي الا نوع من انواع التعالي الذي يصر الغرب على اتباعه مع الشعوب الاخرى، انطلاقا من عقدة الفوقية التي تتحكم بالعقل الغربي، وعقدة الخوف من نجاحات الآخرين، في محاولة يائسة لابقاء المعرفة والتطور حكراً عليه.
واذا جاز لنا ان نقول شيئا في هذه الحملات التي تتعرض لها دبي وتجربتها الفريدة، فهو ان الازمة المالية التي تضرب العالم لم تبدأ من دبي، وانما صنعها العقل الغربي، الاحتكاري وقوانينه الاقتصادية، التي تركت الباب مفتوحا لكل انواع الربا والجشع والنصب والاحتيال، ودفعت الكثيرين الى ساحات الثراء على حساب الفقراء المعوزين.
ويكفي للتدليل على الاهداف الخبيثة للحملات الاعلامية والادعاءات التي تقول بان دبي في طريقها للانهياران نشير الى ان القوى الغربية سعت على الدوام، الى اجهاض اي خطوة حضارية في الوطن العربي، وحاولت مصادرة اي نجاح عربي قبل ان يثمر بنتائجه خيرا على الامة العربية،ويريدأن هذه الأمة لاتنهض ، ومثلما دمروا ديمقراطية لبنان دمروا تنكلوجيا وصناعة العراق وقبل ذلك عرقلة مسيرة مصر التنموية وكذلك تقطيع أوصال أي بلد يريد ان يتطور في اي مجال ، ويعتبرون التطور محصوراً عليهم ومحظوراً علينا. وما يجب التذكير به هنا للرد على هذه الابواق هو أن صعود وهبوط أسعار العقارات أو الأسهم ليسا هما النهاية لهذه التجربة التنموية الفريدة ، لان الصعود والهبوط امر عادي بالنسبة لأي اقتصاد في العالم ، فالولايات المتحدة ذاتها لم تسلم من سلسة ازمات مالية حيث مرت بأزمة كساد عميقة في الثلاثينيات من القرن الماضي،وكذلك مرت أسعار العقارات في بريطانيا بمرحلة مشابهة للمرحلة التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليا ، ومرت أسواق الأسهم في دول نمور آسيا بمرحلة انهيار كامل في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ولكنها استطاعت ان تستعيد عافيتها.ولذلك فان خير ما يمكن قوله في هذه الاصوات هو انها ليست سوى فحيح افاعي تريد دس سمها في عروق دبي النابضة بالحياة .
* المدير الإقليمي لمكتب دبي