السعوديون والمليون
السعوديون والمليون
مازن السديري*
يتفاجأ الباحث في الشأن الاقتصادي بأن أغلب مجتمع هذا البلد لا يمتلكون داراً مملوكة، وفي هذه الدار المؤجرة يقيم شباب وشابات بلا عمل، والبعض الآخر ذو دخل متواضع يقرأ عن التباطؤ الاقتصادي ولكن يرى التضخم، في بلد يمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم وينتج أكثر من ١٦٪ من الانتاج اليومي وبأقل تكلفة إنتاج تصل إلى ٤ دولارات وفي مصادر أخرى دولار واحد فقط.
قدمت المملكة مشروع الأمن الغذائي (زراعة القمح) الذي ساعد الناس على صنع ثروات عبر الإقراض من البنك الزراعي، وكذلك بداية النمو الصناعي السعودي في مقتبل الثمانينات عبر قروض صندوق التنمية الصناعي، مالت قلوب الناس إلى المشروع الأول.. السبب هو ضمان شراء المنتج الزراعي من الدولة، بعكس الاستثمار الصناعي الذي كان يتطلب معرفة تسويقية، وخبرة إدارية تضمن سلامة نجاح المشروع الذي يقدم للجمهور وليس للدولة لا يمتلكها الكثير من عامة المواطنين. كان سبب نهاية العرس الزراعي - الذي كان صائب الفكرة - عدم ضبط حصص الإنتاج للمزارعين الذين فاق إنتاجهم طاقة الصوامع، وبالتالي لم يعد ذلك المشروع مصدراً جيداً للدخل بسبب خطأ بالتخطيط، واليوم تضخ السعودية مشاريع البنية التحتية من بناء مدن وشبكات لسكة الحديد، ولكن في وسط ذلك تكونت تلك المشاريع بين عدد من المقاولين، وهم معدودون.. السؤال هو كيف يكون نمو مشاريع البلاد متجانساً مع دخل الفرد وفرص العمل الجديدة؟ يعود هذا إلى نظرة رجل الاقتصاد بين دورة المال عبر المشاريع بين الدولة والقطاع الخاص والقطاعات التمويلية (البنوك وجهات الاقراض) وبقدرة امتصاص تلك الحلقة من المجتمع من موظفين ومستثمرين وأيضاً قدرة تمدد هذه الحلقة بإنتاجها بين الاستيراد والتصدير.
أذهب إلى رجل في الخارج دمونيك ستراوس مدير صندوق النقد الدولي واسمه الأخير (كاهان)، وهو يهودي يعود إلى أصول تونسية نشأ في المغرب إلى أن قذف به زلزال عام ٦٠ إلى منوكو ثم باريس ليتعلم في أرقى الجامعات الفرنسية (نانتيرن) ثم درس في معهد الادارة العالي.. لا يخلو دمونيك من فهلوة اليهود، فلسانه الحاد في الانتخابات جعله سكرتير الحزب اليساري، وهو شاب في الثلاثين ثم تولى منصب وزير الاقتصاد والصناعة، أيضاً منصبه الحالي جاء نتيجة موقفه الحاد ضد ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. (ساركو) الثعلب اختاره ليبعده عن الحزب المضاد له لكن هذا لا ينفي كفاءته في طرح الخصخصة في التسعينات، وبداية ظهور برنامج ٣٥ ساعة عمل في الأسبوع الذي حل الكثير من مشاكل البطالة، كان يرى دائماً أن نمو دخل الفرد وامتصاص البطالة يأتي من النمو الاقتصادي، دون إجبار الشركات، والتأمل في أبعاد العمل مثل الساعات، العقود... حتى أنواع الشركات لابد من تفكيك العمليات الصناعية بين عدة مؤسسات، أي مصنع يصنع وآخر يعلب ليكون هناك رجلي أعمال ويتضاعف عدد العمال والموظفين ولا أنسى أن أضيف أن هدفه من الخصخصة لشركات كبرى مثل الاتصالات الفرنسية (فرانس تليكوم) كان كذلك لصنع ثروات بين المواطنين وظهور الوظائف برفع رأس المال ولم تكن خدمة مجانية للمضاربين. نحن اليوم نضع آلاف المليارات على مشاريع البنية التحتية المحصورة على جهات معينة، أنا لا أمانع تحديدها على البعض بل هذا يحدث في دول كبرى ان تكون مؤسسات معدودة قادرة على تنفيذ هذه المشاريع ولكن يستحسن وهذا لصالح الجميع وضع معايير لتقييم وتعديد عدد المقاولين بالباطن بما فيه الخير على المقاول الأساسي وبقية المجتمع والدولة ولضمان تنفيذ المشاريع أيضا في وقتها، كي لا يجلس السعوديون وهم يظنون أنهم معزولون عن كل ذلك الخير وهم مستسلمون لمشاهدة برنامج شاعر المليون، فالمليون قد يأتيك دون أن تكتب الشعر، ولكن بعض التنظيم وهذه مهمة الاقتصاديين في الجهات الحكومية.
|