جازان (سبق) محمد الحازمي : في إحتفالية سنوية بديعة , يقام مهرجان ( الحريد ) السنوي في جزيرة فرسان التابعة لمنطقة جازان ، وفرسان هي جزيرة سعودية في جنوب البحر الأحمر وأما الحريد ومهرجان الحريد وما الذي يحصل فيه من أحداث مثيرة فهو ما سنتحدث عنه في هذا الاستطلاع .
( حريد ) هذا هو اسم المهرجان وهو اسم نوع من الأسماك المرجانية التي تشبه في شكلها الخارجي طيور الببغاء واسمها باللغة الإنجليزية ( Parrot Fish ) ، وتعود التسمية العلمية للحريد ( سمك الببغاء ) الى شكل الفم الخارجي وتنوع الألوان الجميلة التي يظهر بها هذا النوع من الأسماك وتعتبر مناطق الحيد البحري ( Coral Reefs ) هي المناطق التي يعيش فيها الحريد ويتكاثر ويحصل على غذائه.
يعيش سمك الحريد عادة بين المرجان ويقوم ومن خلال فمه الذي يشبه المنقار بقضم غذائه وهو عبارة عن براعم المرجان التي تحتوي على كمية كبيرة من الطحالب البحرية ( المكون الحيوي الداخلي للمرجان ) ( Algae ) وتضم البحار والمحيطات أكثر من 90 نوعا من أنواع الحريد بأشكال مختلفة .
يعيش الحريد في مجموعات تتجول في الحيد البحري وتتكون عادة من ذكر مسيطر وعدد من الانثيات حيث لا يتردد الذكر في خوض معارك مستمرة من أجل الحفاظ على مجموعته وفي حال موت الذكر تقوم إحدى الأنثيات في المجموعة بتغيير لونها لتصبح كلون الذكر ومن ثم تمر بعدة مراحل لتتحول من أنثى الى ذكر مسيطر !!
يعتبر الحريد من أجود أنواع الأسماك في البرح الأحمر حيث يحتوي على كمية كبيرة من اللحم الابيض , ومذاق فريد وخاصة ( المشوي ) ويعتبر صيد الحريد في كل الأوقات عملية صعبة لأنه يتواجد بين المرجان مما يعيق اصطياده بالشباك بالإضافة الى أنه من أشد المخلوقات حذرا حيث أنه وحين ينام في الليل ينسج حول جسمه شبكة رقيقة جدا تشبه شبكة العنكبوت تجعله يشعر بأي حركة تتم حوله وتمكنه من الهروب من اسماك القرش ذو النقطة البيضاء ( White tip shark ) والذي ينشط في الليل لاصطياد الحريد وبعض أنواع الهامور في الحيد المرجاني .
الجدير بالذكر أن الحريد يتواجد بكميات تجارية في الخليج العربي ولكن لا يتم اصطياده ولا يفضل سكان الخليج تناوله , وربما يختلف طعم الحريد في الخليج عن حريد البحر الأحمر.
الذي يحدث في جزيرة فرسان سنوياً هو أن الحريد يجتمع بشكل كبير وعلى شكل مجموعات ضخمة بعضها قد يزيد فيها عدد الأسماك عن 1000سمكة في المجموعة الواحدة ويكون كرات ضخمة ويجتمع بالقرب من الشاطئ فيما يشبه الانتحار الجماعي !!!
يحدث ذلك عادة في يوم واحد من السنة وعادة في نهايات شهر مارس وأول أبريل من كل عام , ولدى أهل فرسان عادات ضاربة في القدم تتعلق بهذا اليوم الذي يحتفل فيه أهل الجزيرة وينشدون الأهازيج ويؤدون الرقصات الشعبية حيث أن لهذا اليوم أهمية كبيرة في الثقافة الفرسانية .
يكتشف صيادو الجزيرة اقتراب موعد مجيء الحريد برائحة مميزة تنبعث من الشاطئ وتبدأ الرائحة بعد مغرب شمس اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الذي يوافق نهاية مارس وبداية أبريل من كل عام ويقول باحثون عن هذه الرائحة انها لبيض الشعاب المرجانية الملساء حيث تطلق الشعاب المرجانية بيضها دفعة واحدة في ليلة من السنة .
يبدأ مهرجان الحريد ( على العادة القديمة ) قبل صلاة الفجر , حيث يتجه الفرسانيون بجمالهم ودوابهم في يوم واحد من السنة الى المنطقة السنوية لتجمع الحريد وبالتحديد ( ساحل حصيص ) حيث يصعد الرجال الى المناطق المرتفعة والتلال المحيطة بالساحل لمراقبة المياه حيث يرصدون وجود أي حركة على السطح تدل على وجود مجموعة من مجموعات الحريد . يسمي الفرسانيون مجموعة الحريد الواحدة ( سواد ) وجمعها ( أسودة ) وبمجرد أن يلاحظ الفرسانيون السواد يتجه مجموعة من كبار الصيادين الذين تم اختيارهم مسبقا الى البحر للقيام بعملية تجميع الحريد فيما يظل الجميع على الشاطئ في وضع الاستعداد .
تبدأ عملية التجميع بأن يقوم الصيادون بلف الشباك ( الأدوال كما يسميها الفرسانيون ) حول مجموعة الحريد كل مجموعة على حدة . حيث يقوم الحريد بالتكور حول نفسه والدوران بشكل مستمر دون أن يصطدم بالشباك في حركة دفاعية ، ثم يستمر الصيادون في ذلك حتى يجمعوا معظم الأسودة ( المجموعات ) . بعد ذلك يقومون بضم جميع المجموعات في مجموعة واحدة كبيرة.
يطلب بعد ذلك كبير الصيادين من الشباب والأطفال بتجميع شجيرات الكسب التي تنتشر في الشاطئ , وحين تجتمع كمية مناسبة يتم عمل حاجز من تلك الشجيرات بارتفاع نصف متر بحد اقصى حول الحريد وسحب الشبك تدريجيا . وفي تلك اللحظة يصل الجميع للحالة القصوى من الاستعداد والصمت ومع كل شخص شبكة صغيرة على شكل كيس .
عندما تنتهي مرحلة التجميع , ويصبح الحريد في مجموعة واحدة ومحاطا بالكسب من كل جانب تتركز أنظار الجميع على البحر من جهة وعلى كبير الصيادين من جهة أخرى , ويشمر الجميع عن سواعدهم فيما يشبه اللحظات الحاسمة قبل بداية ماراثون ومن ثم يصرخ كبير الصيادين بأعلى صوته بكلمة مشهورة ينتظرها المئات على الشاطئ قائلا : (الضويني) ومعناها الهجوم .
حيث ينطلق الناس جميعا صغارهم وكبارهم إلى البحر كل يحاول الحصول على أكبر كمية من الحريد داخل القفص الذي بيده .
بعد ذلك تتنوع فعاليات المهرجان السياحية فهناك فعاليات الطيران الشراعي , وتأدية الرقصات الفرسانية القديمة واغاني البحر والسفر والوداع أما الأجمل فهو أن اهل فرسان يحتفلون بيوم الحريد في بيوت العرائس الجدد اللواتي تزوجن خلال العام , حيث تلبس العروس كامل زينتها وتأتي النساء والأطفال للاحتفال في بيتها.
بعد كل المعلومات أعلاه مالذي يجعل السمك ينتحر بتلك الطريقة ؟
في الحقيقية أن تلك الظاهرة لا تختص بالحريد فقط وإنما بأنواع عديدة من الأسماك التي تقطع مسافات طويلة للتزاوج , حيث يحدث تغير في محور الأرض المغناطيسي في الفترة الانتقالية بين الفصول فتتوه تلك الاسماك وتلجأ لأقرب جزيرة حيث تجتمع بكميات كبيرة مكونة ما يسميه علماء الأحياء ( كرة السمك ) ومن أشهر الأسماك التي تكون تلك التشكيلات سمك السردين .
يبدأ تكون ( كرة السمك ) عندما تشعر الأسماك بأنها محاصرة , حيث تجتمع على شكل كرة وتبدا بالدوران بشكل مثير ومخيف يجعلها تبدو كدوامة من آلاف السمك . الدافع لذلك هو الدفاع عن نفسها حيث تتربص بها اسماك القرش عادة وبالتالي يقوم السمك بالدوران ليقلل من قدرة القرش على اصطياده وتحصل كل سمكة على فرصة متكافئة من النجاة .
أكثر اللحظات إثارة هي حين تجتمع الدلافين واسماك القرش وتتحد لمحاصرة ( كرة السمك ) حيث تبدأ الدلافين بالنزول تحت المجموعة ونفخ الهواء الذي يكوّن فقاعات تطرد السمك الى الأعلى باتجاه سطح البحر حيث تتم محاصرتها , عند ذلك تتكون كرة السمك وتبدا بالدوران وتبدا المعركة الشرسة حيث الطيور تهاجم الأسماك من الأعلى والدلافين واسماك القرش تهاجمها من الأسفل وتخترقها من الوسط والاسماك لا تتوقف عن الدوران حتى آخر سمكة.
ومن مرجع آخر :
يعد موسم الحريد موسماً تقليدياً قديماً جداً، حيث ظلت جزر فرسان تحتفل به في كل عام، من أجل الحفاظ على موعده والطقس الثقافي المصاحب له، وفيه تتهيأ فرسان وكأنها مقبلة على عرس كبير، ويتضح ذلك من خلال الحفاوة والزينة التي تطغى على جزر فرسان وأهلها، الذين يحتفلون في كل عام بظهور أسراب الحريد، فيقيمون حفلات ابتداءً من أول ظهوره وحتى اختفائه في منازل العرائس اللواتي تزوجن في العام نفسه الذي يظهر فيه سمك الحريد، حيث ترتدي العروس كامل زينتها، وتتدفق على دارها نساء الحي أو الجزيرة ليحتفلن بذلك، وكان أغلب الناس في الماضي، يذهبون إلى الحريد مشيا على الأقدام، وقليل منهم يركب الجمال والحمير ـ وسيلة النقل آنذاك ـ، أما المشاة فيخرجون قبل صلاة الفجر، وعندما يصلون إلى المكان المحدد مع طلوع الشمس، ينتشرون على الجبال التي تطل على الشاطئ لمراقبة خروج الحريد، ويمكن معرفة وجود سمك الحريد من خلال ظهور بعض الاضطرابات الخفيفة على سطح الماء، وأثناءها يتناولون إفطارهم الشعبي على مائدة واحدة، وعادة ما يشترك كافة أهالي الجزر في ذلك، وإذا ظهرت أول دفعة من الحريد ويسمونه «سواد»، يصيحون بلهجة شعبية جميلة موحدّة (أدوال.. أدوال) أي الشّباك، حيث يتوجه بعض صيادي الأسماك، ممن قد اختيروا من قبل كبار البلد الموجودين هناك، ليقوموا بوضع الشباك (الأدوال) حول سرب الحريد (السّواد)، بحيث لا يخرجون ما اصطادوا من حريد من الماء، حتى لا يموت، ومن الممكن رؤية سمك الحريد أثناء وجوده في وسط حلقة الشباك، وهو يدور من دون الاصطدام بالشباك الموجودة حوله، ويكررون الطريقة نفسها لاصطياد أسراب أخرى من الحريد، ومن ثم يقومون بسحب تلك المجموعات لإدخالها داخل حلقة واحدة من الشباك، ثم ينادون على الشباب والأطفال لجمع شجيرات «الكِسْب» الموجودة على طول الساحل (ذكر أن جزر فرسان تتفرد بهذا النوع من الشجيرات الساحلية) وبعد جمع كمية لا بأس بها، يبدأون بإحاطة الحريد بالأشجار، لإزالة الشباك (الأدوال) من حول سرب الحريد، بحيث تكون الشجيرات هي المحيطة بالحريد في عمق لا يتجاوز نصف المتر أحياناً، وعندما يكون كل شيء جاهزاً تماما، يصيح كبير الصيادين بأعلى صوته: «الضويني.. الضويني» التي تعني اهجموا على سمك الحريد المحتجز داخل الشباك، ثم يتسابق الجميع للنزول في الماء، فيهب الحاضرون من على الجبال وعلى الساحل، كل يحمل كيسه المطوق ليجمع ما يستطيع من الحريد وسط جو مليء ببعض الأهازيج الشعبية، وبعد أن يجمع كل فرد ما يستطيع من أسماك الحريد، يقوم بعض الحضور بشق كل سمكة من أعلاها وليس من أسفل بطنها، فتخرج منه الأمعاء، وهو من أنظف الأسماك، فهو لا يأكل إلا الطحالب ودقيق الرمل الناعم، وتؤخذ المرارة من الكبد ثم يملح بقليل من الملح، ويضاف إليه بعض البهارات من كمون وفلفل أسود، ثم يقطع البصل ويوضع في بطنه مع الكبد، بعد ذلك يوضع في التنور المليء بالجمر، يطلق عليه شعبياً «الميفى»، وبعد الطهي يخلط لحم سمك الحريد مع الكبد أو بدونه، بحسب ذوق من سيأكله، وعلى الرغم من أخذ كل فرد في فرسان كمية من الحريد تفوق احتياجه، فإنهم لا يبيعونه مطلقاً، ولكنهم يتهادونه فيما بينهم، سواء أكان مطبوخاً أو نيئاً. وكان أهالي فرسان في الماضي، يعلمون بقدوم الحريد على الرغم من عدم مشاهدتهم له، ذلك لأنهم يشمون رائحته في منازلهم، والتي تبعد عن منطقة تجمع الحريد بما يقارب ستة كيلومترات، حيث يقوم الحريد، بعد قطع رحلته الطويلة الشاقة، بالاستراحة في الشعاب المرجانية الضحلة، ويطفو على سطح البحر، ثم يفتح فمه، فتسري رائحته في أرجاء جزر فرسان، ويطلق عليها أهالي فرسان كلمة (بوسي). أما في الفترة الماضية الأخيرة، لا سيما منذ تولي الأمير محمد بن ناصر إمارة منطقة جازان، أصبحت عملية صيد سمك الحريد أكثر تنظيماً من ذي قبل، من خلال إقامة مهرجان سنوي دائم، تقام على هامشه بعض الفعاليات الثقافية والتراثية، لجعل موسم الحريد تظاهرة منظمة، تسعى لاستقطاب عدد من السيّاح السعوديين والأجانب في كل عام، من أجل التعريف بالجزر الفرسانية وما تحتويه من تنوع بيئي وحيواني، ولأجل إشهار موسم صيد الحريد إعلامياً.
|