التقدم على طريقة لاس فيجاس
التقدم على طريقة لاس فيجاس
العرب يمتلكون أكبر احتياطات للنفط عالميا، والنفط محرك الحضارة الصناعية والتكنولوجية الحديثة، حقيقة لا يمكننا أبدا التوقف عندها بما يكفي من الدهشة والامتنان، لكن بالمقابل ماذا فعل العرب بهذه المنحة الكبرى؟ لنتجول في المدن العربية التي تعتبر الأكثر تقدما، فماذا سنرى؟ الكثير من المباني على الطراز الغربي الزجاجي الذي لا يتناسب مع طبيعة الخليج البيئية وينفصل بشكل مطلق عن الإرث الحضاري المعماري الإسلامي، وقد بنيت بأيد وخبرات أجنبية، نرى الكثير من الأسواق والمراكز التجارية التي تحمل أسماء الماركات الغربية والتي تعتبر مجتمعاتنا الأعلى استهلاكا لها في العالم، نفتح التلفاز فنرى حملات ترويجية على مدار السنة لمهرجانات تسوق وترفيه، ومثل هذا لا يحصل حتى في المجتمعات الغربية التي نتهمها بسيادة النزعة الاستهلاكية، والحقيقة أننا صرنا مجتمعات تتمحور حول الاستهلاك بأسوأ صوره، فصحيح الناس في العالم الغربي والصناعي يستهلكون، لكنهم ينتجون بالمقابل بقدر ما يستهلكون، لكننا وحسب إحصائيات ساعات العمل التي يقضيها الفرد في إنجاز الأعمال نسجل المعدل الأدنى عالميا، في المقابل نسجل المعدل الأعلى في جميع أوجه الاستهلاك، بما في ذلك استهلاك وسائل الترفيه، ننظر إلى هذا الواقع ونتساءل أين الصناعات العربية؟! أين البنية الصناعية والعلمية والأكاديمية العربية؟! الهند التي كانت ولا تزال تضم بعض أعلى نسب الفقر والأمية استطاعت تطوير بنية أكاديمية وصناعية شكلت ظاهرة في هجرة الشركات الغربية إليها وليس ذلك لانخفاض قيمة اليد العاملة بقدر ما هو بسبب كفاءة المهني الهندي التي تضاهي تلك التي للمهني الغربي، وباتت الهند إحدى أكبر مراكز صناعة البرمجيات عالميا، لكن أين العرب من كل هذا؟! لا كمستثمرين في صناعات الآخرين ولا كمطورين للبنية الصناعية والزراعية في بلدانهم، ما نراه مما يوصف بالتقدم في بعض مجتمعاتنا العربية هو تقدم على طراز تقدم مدينة لاس فيجاس الأمريكية الشهيرة بكونها مدينة تقدمها هو بالتطاول بالبنيان المبهرج وبمرافق التسوق والترفيه تماما على النمط الذي وللأسف تكرس خلال العقدين الأخيرين، وربما لا يعرف الكثيرون أن هناك دراسات حول العمر الافتراضي لمخزونات النفط، وأن هناك جهودا حثيثة لتطوير مصادر طاقة بديلة جذرية إذا نجح العلماء فيها وهناك دلائل على أنهم في طريقهم لذلك، ستوقف حاجة العالم للنفط بشكل كلي ونهائي، ماذا سنفعل حينها؟ فقاعة التقدم على طريقة لاس فيجاس ستتلاشى، لأن التقدم القابل للدوام هو بعدد العلماء والمخترعين والاختراعات والمصانع والصناعات والمنتجات والأبحاث والإنتاج العلمي والفني والفكري والعمالة المتخصصة والماهرة للبلاد، فماذا لدينا في عالمنا العربي من كل هذا؟! اللعب بالأسهم والأسواق المالية قد يحقق طفرات ربح بالنسبة للبعض والنكبة للكثيرين لكنه بالتأكيد لا يصنع تقدما حضاريا لأحد، لهذا لابد من تغيير اتجاه الدفة طالما لا تزال لدينا فرصة لذلك، وإلا فإن الأجيال القادمة لن تسامحنا على أننا استنفدنا منحة النفط بدون تطوير وتكريس بنية حضارية متكاملة قابلة للتكيف والبقاء مهما حصل من تطورات في مجال الطاقة ومعدلات النمو البشري لدينا والتي تعتبر الأعلى عالميا.
|