رياح التغيير تصب في مصلحة الصيرفة الإسلامية
لاحم الناصر
عندما سمعت تصريح معالي الدكتور محمد الجاسر بمناسبة تعيينه مطلع الأسبوع كمحافظ جديد لمؤسسة النقد العربي السعودي تحدث فيه عن التمويل طويل الأجل للمشاريع في المملكة العربية السعودية وان عبء هذا النوع من التمويل كان في السابق يقع على عاتق الصناديق الحكومية، حيث تحجم البنوك التجارية عن هذا النوع من التمويل. وتطرق المحافظ الجديد إلى ان هناك فرصة كبيرة أمام المملكة العربية السعودية لتوفير التمويل طويل الأجل عبر بدائل أخرى لم يتم استغلالها بعد وهي إصدار السندات والصكوك،ة فهو مجال لم نبدأ به إلا قليلا مع أنه مجال واسع وكبير للتمويل، خصوصا في ما يتعلق بمشاريع ضخمة قد لا تحصل على تمويل كامل من البنوك.
وسوق السندات والصكوك وسيلة هامة للإقراض ووعاء مناسب للمدخرات، وسيتم التنسيق بين مؤسسة النقد والمجلس الاقتصادي الأعلى وهيئة سوق المال والغرف التجارية في المملكة لتفعيل آليات عمل وتطوير هذا السوق الواعد. استوقفني هذا التصريح، حيث أشار معالي المحافظ للصكوك كأداة مالية بديلة لتوفير التمويل طويل الأجل للمشاريع التي تحتاج مثل هذا النوع من التمويل، بل وتأكيده بأن مؤسسة النقد ستسعى للتعاون والتنسيق مع بقية الجهات ذات العلاقة لتطوير هذا السوق الذي وصفه بالواعد، حيث انه وللمرة الأولى يتم طرح الصكوك كأداة تمويل بديلة من قبل مؤسسة النقد وهو ما كنا نطالب به منذ فترة طويلة. وتطرقت له في عدة مقالات هي «صكوك المشاركة أداة لتمويل مركز الملك عبد الله المالي» و«الصكوك أداة لإدارة السيولة» و «صكوك الإجارة وتمويل توسعة الخطوط الحديدية» و«الفرق بين لندن والرياض» و «قاطرة التوريق». |
ولا شك ان هذا التصريح يبعث على التفاؤل بمستقبل الصيرفة الإسلامية في المملكة العربية السعودية وإمكانية تغيير طريقة التعامل مع هذه الصناعة عبر الاعتراف بها وتقنينها ووضع اللوائح والأنظمة التي تتناسب مع خصوصيتها وتقديم الدعم والمساندة لها عبر تطوير أدواتها وأسواقها لكي تتبوأ المملكة المكانة اللائقة بها على خريطة المراكز المالية التي تسعى لاحتضان هذه الصناعة.
حيث لا يتناسب وضع المملكة العربية السعودية اليوم كثاني دولة من حيث الأصول المالية الإسلامية البالغة 92 مليار دولار وفقا لتقرير مركز الخدمات المالية بلندن مع مكانتها على خارطة المراكز المالية لهذه الصناعة، حيث تسبقها العديد من الدول الأقل حجما وتأثيرا في هذا المجال مثل البحرين وإمارة دبي وماليزيا وبريطانيا نتيجة لوجود البنية التحتية والتشريعية المناسبة. كما أن هذه الدول سعت وتسعى بشكل دؤوب لاقتطاع حصة من أموال هذه الصناعة التي تنمو بشكل سريع، حيث حققت في عام 2007م نموا عالميا بمقدار 27 في المائة وفقا لتقدير موديز. كما ان أصولها مرشحة للوصول إلى تريليون دولار في ظرف سنتين إلى أربع سنوات من الآن، حيث تتراوح تقديرات أصولها اليوم ما بين 650 مليار دولار إلى 800 مليار دولار. كما ان الصكوك تعتبر من أسرع أدوات الصيرفة الإسلامية نموا، إذ نمت في عام 2005م بنسبة 49 في المائة وفي عام 2006م بنسبة 153 في المائة وفي عام 2007م بنسبة 79 في المائة. إلا انها هبطت بشكل حاد في عام 2008م، حيث تراجعت الاصدارات بنسبة 50 في المائة ويرجع ذلك إلى الأزمة المالية التي يعاني منها العالم اليوم، حيث تراجعت الكثير من المؤسسات والشركات عن إصدار الصكوك خشية عدم تغطيتها من قبل المستثمرين.
كما ان المؤسسات المالية الإسلامية أصبحت حذرة كثيرا في منح التمويل نتيجة الشك وعدم اليقين الذي يحيط بالأوضاع المالية للكثير من الشركات والحكومات نتيجة لهذه الأزمة. إلا ان الصكوك مرشحة للعودة وبقوة بعد منتصف هذا العام نتيجة لاتضاح الموقف المالي للكثير من الشركات والمؤسسات المالية حيث تتجه الكثير من الدول والمؤسسات الكبرى العالمية لإصدار الصكوك لاستجلاب التمويل اللازم لمشاريعها. |
لا شك ان رياح التغيير قد هبت على مؤسسة النقد إلا ان هذا التغيير يجب ان يكون سريعا وفعالا ليؤتي ثماره. ومن هنا يجب على المؤسسة تطوير البنى التحتية اللازمة لصناعة الصيرفة الإسلامية عبر إيجاد وحدة خاصة داخل المؤسسة للخدمات المصرفية الإسلامية تعنى بسن القوانين ووضع الأنظمة واللوائح التي تناسب خصوصية هذه الصناعة ووضع أنظمة لقياس المخاطر وأنظمة للمحاسبة وأنظمة للرقابة الشرعية مع السعي للوصول إلى معايير موحدة لهذه الصناعة داخل المملكة عبر إيجاد هيئة شرعية عليا تابعة لمؤسسة النقد وبهذا تضع مؤسسة النقد الرياض على خارطة المراكز المالية العالمية لصناعة الصيرفة الإسلامية. والله الموفق.
* نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية. |