"أوبك" تواجه خيارات صعبة في اجتماع فيينا اليوم

[مخاوي الليل]

رغم الاستقرار السعري ونجاح برنامج خفض الإنتاج

"أوبك" تواجه خيارات صعبة في اجتماع فيينا اليوم



"الاقتصادية" من لندن
مع أن منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) خفضت في شباط (فبراير) إنتاجها للشهر السادس على التوالي، إلا أنه ظل أعلى من السقف الإنتاجي المستهدف حسب المسوحات التي قامت بها جهات عدة مع اختلاف الأرقام التي توصلت إليها.
فالمسح الذي قامت وكالة رويترز يشير إلى أن حجم الإنتاج للدول الـ 11 المنضوية تحت نظام الحصص بلغ خلال الشهر الماضي 25.62 مليون برميل يوميا، متراجعا بذلك من 26.27 مليون، الأمر الذي يعني نسبة التزام في حدود 81 في المائة، لكن "بلومبيرج" من جانبها توصلت إلى أن حجم الخفض الشهر الماضي بلغ 770 ألف برميل يوميا إلى 25.39 مليون برميل يوميا، متراجعا 2.7 في المائة عما كان عليه في كانون الثاني (يناير).
وفي تقدير النشرة النفطية المتخصصة المسح الاقتصادي للشرق الأوسط (ميس)، أن إنتاج شباط (فبراير) بلغ 25.93 مليون مقابل 26.55 مليون برميل في الشهر الأسبق، كما أن شركة بترولوجستكس تعتقد أن حجم الخفض يتجاوز هذه التقديرات وبلغ 980 ألف برميل يوميا عن إنتاج كانون الثاني (يناير) ليصل إلى 25.23 مليون. وبحساب حجم هذا التراجع كنسبة مئوية، فإن هذا يعني أن نسبة الالتزام قفزت إلى 89 في المائة، رغم أن حجم الإنتاج يظل أعلى من السقف المستهدف بنحو 480 ألفا، وفق تقديرات "بترولوجستكس".
وسجلت دول مثل السعودية أكبر حجم للخفض، إذ أنتجت الشهر الماضي كميات تقل حتى عن حصتها الرسمية البالغة 8.05 مليون، وتشير التقديرات إلى أنها قامت بحذف 165 ألف برميل إلى 7.86 مليون، كما في تقدير "بلومبيرج"، وهو ما يضع مستوى الإنتاج السعودي أقل من ثمانية ملايين لأول مرة منذ العام 2002، والشيء نفسه حدث ولو بدرجات متفاوتة في الكويت، التي حققت ثاني أكبر خفض بعد السعودية بمعدل 140 ألف برميل ثم الإمارات وقطر، وكلها أنتجت كميات أقل مما كان تستهدفه. وتقول أنجولا، وهي رئيسة الدورة الحالية لـ (أوبك)، إنها خفضت إنتاجها إلى 1.65 مليون في شباط (فبراير) والهدف الوصول به إلى 1.52 مليون.
ومع إضافة الإنتاج العراقي، وهو خارج نظام الحصص وبلغ 2.28 مليون برميل يوميا في بعض التقديرات، فإن إنتاج كل الدول الأعضاء في (أوبك) بلغ 27.6 مليون خلال الشهر الماضي، متراجعا 1.1 مليون برميل عما كان عليه في كانون الثاني (يناير).
على أنه رغم حجم الخفض غير المسبوق منذ أيلول (سبتمبر) الماضي وبلغ في إجماليه 4.2 مليون برميل يوميا، إلا أن سعر البرميل لا يزال منخفضا، وهو ما يضع اجتماع (أوبك) الذي يبدأ اليوم الأحد في موقف صعب، وهل تضيف خفضا إنتاجيا جديدا كما تنادي دول مثل فنزويلا وإيران والجزائر، التي تدعو إلى أن يكون حجم الخفض مليون برميل يوميا، لأنها ترى أن حجم المخزونات لدى الدول الصناعية الغربية، وهي مستهلك رئيس للنفط، لا تزال عالية وهناك حاجة لتراجعها إلى أقل معدل ممكن، علما أن الفترة المقبلة، وهي الربع الثاني تشهد في العادة تراجعا تقليديا في الاستهلاك ومن الأفضل الاستعداد لها بصورة مبكرة.
لكن من الناحية الأخرى يلاحظ أن إيران، التي خفضت 90 ألف برميل فقط إضافية الشهر الماضي، إلا أن حجم إنتاجها لا يزال أعلى من السقف المعتمد بنحو 394 ألفا. والشيء نفسه بالنسبة لفنزويلا التي رغم خفضها 85 ألف برميل إلا أن الإنتاج تجاوز السقف المعتمد بنحو 224 ألفا. وقد يجعل وضع هذه الدول أقل جرأة في الدعوة إلى المزيد من خفض الإنتاج، إذ ستكون مواجهة بمن يشير إلى ضرورة الالتزام بالحصص السابقة.
ولهذا تبدو الدول الخليجية ميالة إلى أن يركز الاجتماع على كيفية رفع نسبة الالتزام بالخفض مثلما كان يحدث خلال الأشهر الماضية، فقد ارتفعت نسبة الالتزام من 66 في المائة في كانون الثاني (يناير) إلى أكثر من 80 في المائة الشهر الماضي، والمطلوب رفعها إلى 100 في المائة والوصول بمعدل الخفض الفعلي إلى الرقم المستهدف وهو 4.2 مليون برميل يوميا ليكون السقف الإنتاجي من دون العراق 24.84 مليون.
لكن هناك مؤشرات على أن المعدل السعري الحالي يمثل الأرضية المستقرة، حيث نجحت عمليات خفض الإنتاج وتقليص الإمدادات إلى عدم تدهور سعر البرميل إلى 20 دولارا مثلا. واستمرار هذا المعدل طوال الأسابيع القليلة الماضية واستقرار سعر سلة (أوبك) عند 41.35 دولار للبرميل الشهر الماضي و41.52 دولار في كانون الثاني (يناير)، بينما بلغ في الأسبوع الأول من هذا الشهر 43.11 دولار للبرميل.
ومع استقرار سعر البرميل في نطاق بين 40 و45 دولارا للبرميل وتأرجحه بزيادة أو نقصان بين 5 و10 في المائة، فإن هذا الوضع وفر أساسا من الثقة وجد تعبيرا له في قرار السعودية رفع أسعار خاماتها في الأسواق الآسيوية، الأوروبية، والأمريكية بالنسبة للشهر المقبل وبصورة أعمق وأشمل مما كان متوقعا.
بالنسبة للسوق الأمريكية، حيث يعتبر خام ويست تكساس هو المرجع، أعلنت شركة أرامكو عن زيادة في سعر برميل الخام العربي الخفيف الفائق الجودة بمعدل 20 سنتا، والعربي الخفيف 90 سنتا، والمتوسط 1.15 دولار في البرميل والثقيل 1.25 دولار، ما يعتبر محاباة ويصب لصالح للنفوط الثقيلة، وهو ما يضع الخامات السعودية في مرتبة أعلى من الخام الأمريكي لأول مرة، ويعود هذا إلى حالة التخمة التي تعانيها السوق الأمريكية من خام ويست تكساس، وهو ما عبر عن نفسه بامتلاء المخزونات في ولاية أوكلاهوما مثلا.
وبالنسبة للسوق الآسيوية فإن خام العربي الفائق الجودة سجل زيادة في حدود 35 سنتا والخفيف 65 سنتا، بينما المتوسط دولار واحد والخام الثقيل 1.3 دولار في البرميل. أما بالنسبة إلى سوق شمال غرب أوروبا، فإن الزيادة بلغت 90 سنتا لخام العربي الخفيف الفائق الجودة، والعربي الخفيف العادي 1.3 دولار والمتوسط 1.45 دولار والثقيل 1.55 دولار.
على أن هذا الوضع سيخلق مشكلة من نوع آخر ومعاكسة لما كان سائدا في فترة الأعوام 2003 إلى 2008، حيث كانت السوق تعاني اضمحلالا في الطاقة الإنتاجية الفائضة، لكن مع حجم الخفض الكبير الحالي، أصبح للمنظمة طاقة إنتاجية فائضة تصل إلى 6.72 مليون برميل يوميا، منها قرابة ثلاثة ملايين في السعودية لوحدها. ومشكلة الطاقة الإنتاجية الفائضة أنها تشكل إغراء لتجاوز الحصص الإنتاجية المقررة وللتعويض عن تراجع الأسعار، كما يوجد دافع إضافي أن الحفاظ على أي طاقة إنتاجية فائضة يتطلب إنفاقا عليها كي تكون جاهزة للاستخدام فيما إذا نشأت الحاجة إليها.
ومن الناحية الأخرى، فإن الوضع الحالي يعتبر في حالة من التوازن الدقيق، لكن الدخول في الربع الثاني حيث يتراجع الطلب عادة، واستمرار الأزمة الاقتصادية العالمية سيقوي فيما يبدو من حجة المطالبين بخض إضافي للإنتاج، وهو ما سيجد صدى له في أن تأثير الخفض الذي تم حتى الآن ليس ملموسا بقوة.
ويضاف إلى ذلك المتاعب المالية للدول الأعضاء، حيث تعودت خلال السنوات الست الماضية على الإنفاق العالي بسبب ارتفاع العائدات، والمعدلات السعرية الحالية لا تساعد في إرسال رسالة تطمين بشأن هذه الأوضاع المالية.
ويذكر أن تقرير (أوبك) الشهري الأخير تحدث عن ضعف في الطلب ينعكس على تراجع في الطلب على نفط (أوبك) بمقدار مليون برميل يوميا. ويشير التقرير الأخير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن تقديرها لدخل الدول الأعضاء في (أوبك) المنشور الأسبوع الماضي أنها تتوقع أن يبلغ دخل (أوبك) هذا العام بالأسعار الجارية 383 مليار دولار، ترتفع إلى 503 مليارات العام المقبل، وذلك مقابل 970 مليار دولار في العام الماضي.