دنيا الغاز: قلق وطموحات وتحديات

[مخاوي الليل]

دنيا الغاز: قلق وطموحات وتحديات

السر سيد أحمد
ينظر الأوروبيون بقلق إلى ما يجري في موسكو. وهو قلق آني وآخر على المدى البعيد يشاركهم فيه بقية مستهلكي الطاقة وعلى رأسهم الولايات المتحدة. والسبب ما شهدته موسكو الأسبوع الماضي.
فهي من ناحية قد استضافت اجتماعا لمصدري الغاز، وهذا مصدر القلق المستقبلي، كما أن العاصمة الروسية في حالة نزاع متصل مع أوكرانيا إذا لم يتم الوصول إلى حل بشأنه فإن روسيا ستوقف شحنات الغاز إلى أوكرانيا ومنها إلى بعض دول الاتحاد الأوروبي ابتداء من الأول من الشهر المقبل، أي بعد بضعة أيام فقط. وهذا هو مصدر القلق الآني والقضية التي تشغل العواصم الأوروبية، خاصة إذا تم تنفيذ التهديد فإنه يأتي في أكثر الأوقات سوءا في فصل الشتاء، ولعل هذا ما قصدت إليه موسكو.
فليست هذه المرة الأولى التي توقف فيها موسكو شحنات الغاز إلى السوق الأوروبية في وقت غير ملائم مثل فصل الشتاء. ففي آذار (مارس) الماضي خفضت روسيا حجم شحنات الغاز المتجهة إلى أوروبا. وفي كانون الثاني (يناير) من عام 2006 أوقفت تلك الشحنات بصورة كاملة ولبضعة أيام. والسبب دائما خلاف على الأسعار.
هذه المرة تتحدث موسكو عن ديون على أوكرانيا تصل إلى ملياري دولار لم يتم دفعها، وهي تعتزم وقف إمدادات الغاز ما لم يتم الدفع وتدعو الدول الأوروبية التي يصلها غالبية الغاز الذي تستورده من روسيا عبر أوكرانيا، إلى الضغط على الأخيرة حتى يمكن تسوية الموضوع. الأوكرانيون يقولون إن على روسيا من جانبها أن تضع في الحسبان استخدام خطوط الأنابيب الأوكرانية التي تنقل الغاز وكذلك سماحهم لشركة غاز بروم الروسية بالبيع مباشرة إلى المستهلكين لديها عند حساب السعر وهو ما يدخل بالتالي في حجم المتأخرات المترتبة على أوكرانيا.
الجديد هذه المرة أنه وبسبب الأزمة المالية العالمية التي أثرت في الجميع، فإن كل طرف في حاجة ماسة إلى المبلغ المختلف عليه. فروسيا التي تعتمد اعتمادا رئيسا على العائدات من مبيعات النفط، تحتاج إلى أي مبلغ أضافي للتعويض عن التراجع الكبير في سعر برميل النفط الخام. أما أوكرانيا فقد دفعها وضعها المالي المتردي إلى الحصول على قرض طوارئ من صندوق النقد الدولي أخيرا بقيمة 16.5 مليار دولار. ولهذا يبقى الاحتمال قائما أن يتحول النزاع إلى عملية لعض الأصابع، خاصة وروسيا يمكن أن تجير هذا النزاع لصالح أهداف أخرى ذات بعد سياسي.
فالتجمع الذي استضافته موسكو لمنتجي ومصدري الغاز خلص إلى اتفاق لتكوين منظمة تهتدي بما تقوم به منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" رغم أنه سيبدأ بالتنسيق في ميدان الاستثمارات وعدم إغراق السوق بإمدادات الغاز. إلا أنه لا يستبعد أن ينتهي الأمر بالمنظمة الوليدة إلى العمل على التأثير في أسعار الغاز، وذلك رغم أن بعض المحللين يستبعدون ذلك من باب طبيعة صناعة الغاز وتجارته التي تتطلب في العادة تعاقدات طويلة الأمد مع المستهلكين، وهو ما يجعل الخيارات التي تطبقها "أوبك" مثل نظام الحصص أمرا عصيا.
لسنوات طويلة ظل مصدرو الغاز يطالبون بربط سعر الغاز بالنفط الخام، وحققوا بعض النجاح في هذا الجانب. ولقاءات المصدرين التي ظلت تلتئم بصورة متقطعة منذ عام 2001، نجحت موسكو أخيرا في بلورتها وإعطائها صبغة رسمية، كما أنها نجحت في حشد 12 دولة إلى جانبها تتوزع بين الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية هذا إضافة إلى مراقبين اثنين هما النرويج وغينيا الاستوائية. وفوق هذا فإن التجمع لا يقتصر على دول نامية فقط، كما كان الأمر مع "أوبك"، وإنما تقودها دولة لها طموحاتها وتسعى إلى إعادة الاعتبار لها لاعبا ورقما لا يمكن تجاوزه على المسرح الدولي.
سياسة الزعيم الروسي فلاديمير بوتين التي اتخذت أسلوب السيطرة على الصناعة النفطية وسيلة لاستعادة مكانتها السياسية، ستجد في الغاز الطبيعي مصدرا إضافيا للقوة، خاصة والاحتياطيات الروسية هي الأكبر في هذا المجال. ومع تضعضع سعر برميل النفط، فإن خطوة تجميع منتجي الغاز تشكل تطورا آخر يمكن أن يسهم بدوره في تحسين الأسعار وذلك بسبب الارتباط بين سعر النفط الخام والغاز. ولم يخف بوتين نواياه عندما أبلغ المجتمعين أن عهد الغاز الرخيص قد انتهى، وكأنه يرسل رسالة إلى المستهلكين الغربيين.
وهذا ما فعلته "أوبك" نفسها، لكن مع الفارق. فـ "أوبك" أبعدت السياسة نهائيا عن مجال عملها، للدرجة التي احتربت فيها دولتان عضوان ومؤسستان للمنظمة هما العراق وإيران في صراع دموي استمر ثماني سنوات وراح ضحيته الآلاف من الجانبين، لكن نشاط المنظمة استمر ولم يتأثر، وهو ما يضع المنظمة الوليدة وروسيا تحديدا على المحك.