البنوك المحلية مساند قوي لنمو قطاع المقاولات
طلعت زكي حافظ
إن البنوك المحلية قد أولت في الماضي وما تزال حتى يومنا هذا اهتماما كبيرا بجميع الأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالذات لقطاع المقاولات، الذي وفرت له في الماضي ولا تزال التمويل اللازم بما في ذلك المساندة الفنية والإدارية اللازمة، التي مكنته من النمو والازدهار، ومن إنجاز المشاريع التي أسندت إليه من قبل الدولة أو من قبل القطاع الخاص على الوجه المطلوب.
أكدت خطة التنمية الثامنة على أهمية قطاع المقاولات (البناء والتشييد) بالنسبة للحركة الاقتصادية والتنموية، التي تشهدها البلاد بشكل عام، والتي يشهدها الاقتصاد المحلي بشكل خاص، حيث قد أوضحت الخطة أن القطاع قد شهد تطوراً ملحوظاً خلال خطط التنمية الخمسية المتعاقبة، الأمر الذي يؤكد عليه ارتفاع القيمة المضافة للقطاع من 39.44 مليار ريال في عام 1999 إلى نحو 46.96 مليار ريال في عام 2004، بمعدل نمو سنوي بلغ في المتوسط نحو 3.6 في المائة، كما قد بلغ حجم الاستثمارات المنفذة في القطاع خلال خطة التنمية السابعة نحو 8.53 مليار ريال.
الإحصائيات تتوقع أن يصل حجم الاستثمارات في قطاع المقاولات خلال السنوات الخمس المقبلة إلى نحو 300 مليار دولار بحلول العام 2015، وذلك على خلفية الطفرة غير المسبوقة التي يشهدها القطاع خاصة في المشاريع التنموية والخدمية الضخمة التي طرحتها الدولة أخيرا، التي لعل من بين أبرزها وأهمها على سبيل المثال لا الحصر، مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز الجامعية للعلوم والتقنية في ثول شمال محافظة جدة، التي قد تصل تكلفة الاستثمار فيها إلى عشرة مليارات ريال، هذا إضافة إلى المدن الاقتصادية الضخمة التي ستقام في مختلف مناطق المملكة، والتي يتوقع أن تتجاوز قيمة بنائها وتشييدها مبلغ 159 مليار ريال.
رغم التطور الكبير الذي شهده قطاع المقاولات السعودي خلال الفترة الماضية، إلا أن خطة التنمية الثامنة أكدت أن القطاع، وبالذات قطاع شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، ما يزال بحاجة ماسة إلى التطوير، حيث لا يزال ذلك النوع من الشركات، يعاني نقصا شديدا في الطاقات الوظيفية المدربة، ومن انخفاض شديد كذلك في مستويات الآليات، والضعف في القدرات المالية، الأمر الذي يتطلب الحاجة إلى تطوير الإطار التنظيمي وتطبيقه بدقة، بما في ذلك تحسين مؤهلات العاملين الفنية والإدارية، وتشجيع التخصص، وتطوير مستويات الميكنة، من خلال التشجيع على إنشاء التعاونيات لتوفير المعدات والآلات، كما أن الحاجة لا تزال ملحه لتعزيز الدعم المؤسسي للقطاع، من خلال تطوير قواعد البيانات، وتوفير الخدمات الاستشارية وغيرها من الإجراءات. |
وسائل الإعلام المحلية، تناقلت على لسان عدد من المقاولين المحليين معاناتهم عددا من المعوقات، التي حدت من قدرتهم في الماضي على إنجاز المشاريع المسندة إليهم من قبل الدولة، هذا إضافة إلى أنها قد حدت من قدرتهم على التوسع في أخذ مشاريع جديدة، التي لعل من بين أبرزها وأهمها، قلة السيولة المتوافرة، بسبب إحجام البنوك المحلية عن التوسع في التمويل، هذا إضافة إلى ارتفاع أسعار الفوائد التي تراوح بين 8 و12 في المائة، ما تسبب في ارتفاع تكلفة المشاريع من جهة، والتخفيض في قيمة الأرباح من جهة أخرى.
للتغلب على تلك المعوقات، طالب عدد من المقاولين، بالعمل على سرعة تفعيل القرارين رقم 23 ورقم 155، اللذين سيعملان في حالة تطبيقهما ـ وفق رأي أحد المقاولين ـ على حل 80 في المائة من مشكلات المقاولين، هذا إضافة إلى مطالبة البعض برفع نسبة الدفعة المقدمة من 20 إلى 40 في المائة، وأن تكون الدولة ضامنة لحقوق البنوك لدى المقاولين.
دون أدنى شك إن توفير التمويل اللازم لقطاع المقاولات، يعد من بين الأمور المهمة والمطلوبة لإنجاح أعمال المقاولين وتمكينهم من تنفيذ المشاريع التي تسند إليهم سواء من قبل الدولة أم من قبل القطاع الخاص على الوجه المطلوب، ولكن في رأيي لأن تتمكن البنوك المحلية من التوسع في توفير أكبر حجم ممكن من التمويل لشركات المقاولات، وبالذات للصغيرة والمتوسطة منها، لابد من أن تعمل شركات المقاولات جاهدة على تطوير قدراتها ومهاراتها الذاتية بشقيها الفني والإداري، بما في ذلك التغلب على نقاط الضعف سالفة الذكر، التي أشارت إليها خطة التنمية الثامنة، هذا إضافة إلى ضرورة توفير المعلومات الفنية والمالية اللازمة لتمكين البنوك من اتخاذ القرار الائتماني السليم، الذي يراعي المخاطر ويوازن بينها وبين العوائد، ويحافظ في الوقت نفسه على حقوق المودعين والمساهمين. |
الجدير بالذكر في هذا الخصوص، أنه على الرغم من المعوقات والصعوبات، التي يواجهها قطاع المقاولات في السعودية، إلا أن البنوك المحلية لم تقصر في الماضي ولا تزال في القيام بدورها التنموي المطلوب تجاهه، بالشكل الذي مكنه من النمو والتوسع خلال الفترة الماضية، الأمر لذي يؤكد عليه قيمة أو حجم التمويل الذي قدمته البنوك المحلية للأنشطة الاقتصادية المختلفة، الذي بلغ بنهاية عام 2008 نحو 744.8 مليار ريال، بزيادة تجاوزت الـ 25 في المائة عن العام الذي سبقه، وبزيادة نمو بلغت أكثر من 250 في المائة، مقارنة بعام 2002، كما قد بلغت نسبة حجم التمويل الذي خصص لقطاع المقاولات من إجمالي حجم ذلك التمويل نحو 7 في المائة، وتضاعف حجم التمويل المقدم لقطاع المقاولات في عام 2008 بما نسبته 170 في المائة مقارنة بما كان عليه في عام 2002.
إلى جانب ذلك فقد قامت البنوك المحلية بإنشاء إدارات ووحدات متخصصة في تمويل الشركات وفقاً لتصنيف تلك الشركات (الكبيرة، والمتوسطة، والصغيرة، بما في ذلك الأعمال الناشئة)، وقدمت لها الاستشارات الإدارية والفنية، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في مساعدة القطاع على النمو. |
خلاصة القول، في رأيي أن البنوك المحلية قد أولت في الماضي ولا تزال حتى يومنا هذا اهتماما كبيرا بجميع الأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالذات لقطاع المقاولات، الذي وفرت له في الماضي ولا تزال التمويل اللازم بما في ذلك المساندة الفنية والإدارية اللازمة، التي مكنته من النمو والازدهار، ومن إنجاز المشاريع التي أسندت إليه من قبل الدولة أو من قبل القطاع الخاص على الوجه المطلوب.
في رأيي كذلك لكي تتمكن البنوك المحلية من الاستمرار في توفير التمويل اللازم لقطاع المقاولات، لابد من أن يعمل القطاع جاهداً على تطوير قدراته الذاتية (الإدارية والفنية)، بما في ذلك التغلب على نقاط الضعف التي ورد ذكرها بخطة التنمية الثامنة، وبهذا ستتمكن البنوك من التوسع في تمويل القطاع، بما لا يخل بطبيعة الحال في المخاطر، ويحقق في الوقت نفسه التوزيع الأمثل والعادل للسيولة المتوافرة لديها بين القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، وبالله التوفيق.
* نقلا عن صحيفة "الإقتصادية" السعودية. |