الدور السعودي المرتقب في الاقتصاد العالمي وإدارة الأزمة
الدور السعودي المرتقب في الاقتصاد العالمي وإدارة الأزمة
محمد سمان
يقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اليوم، متحدثا بالنيابة عن الدول العربية والنامية أيضا، وهي مسؤولية يدركها العاهل السعودي تماما، كما أدركها منذ القمة الأولى في واشنطن، فتحدث بوصفه قائدا عربيا مسلما بلغة الصراحة والشفافية. في قمة واشنطن، سمع القادة رأي ملك يقدرونه ويحترمونه كثيرا لشجاعته وصراحته، حينما تحدث عن تقييمه ورؤيته الشخصية لأسباب وتداعيات الأزمة العالمية. نهج الملك عبد الله بن عبد العزيز في الشأن الاقتصادي الدولي وأسباب الأزمة بدا أكثر وضوحا في قمة واشنطن، مؤكدا أن العولمة غير المنضبطة والخلل في الرقابة على القطاعات المالية أسهما في الانتشار العالمي السريع لها. واعتبر الملك عبد الله حينها «أن من أهم الدروس التي أتت بها، هو أنه لا يمكن للأسواق تنظيم نفسها»، لافتا إلى أن «الحاجة ماسة وملحة لتطوير الجهات والأنظمة الرقابية على القطاعات المالية، وتعزيز دور صندوق النقد الدولي في الرقابة على هذه القطاعات في الدول المتقدمة». واليوم وبعد مرور نحو 140 يوما على خطابه الأول سيكون الملك عبد الله أكثر إصرارا على تأكيد فكره ورؤيته، فهو مطلع على تفاصيل دقيقة لخارطة الاقتصاد العالمي، وهو يقرأ ذلك بعين ثاقبة مستشرفا مستقبله، إذ أكد في خطابه الأخير في مجلس الشورى أن مرحلة من مراحل النظام الاقتصادي والمالي العالمي قد انتهت وبدأت مرحلة جديدة تتشكل.
في شكل عام، أعلن خادم الحرمين الشريفين باكرا ومنذ تفجر الأزمة المالية العالمية موقفه ورؤيته، كما أفصح عن موقف بلاده والمتمثل في استعدادها التام للعمل مع أي جهد دولي لاحتواء آثارها، فهي تعي مسؤوليتها خصوصا الاقتصادية منها، على خلفية أنها أكبر منتج نفطي. خادم الحرمين الشريفين هو القائد العربي المدعو إلى هذه القمة والسعودية الدولة العربية الوحيدة التي دعيت إلى قمة العشرين الاقتصادية في واشنطن ولندن. والدعوة اعتراف عالمي بانتقال مركز الثقل المالي والسياسي العربي إلى الخليج، وبالذات إلى السعودية. فقيمة الناتج الوطني الإجمالي في السعودية يوازي المستوى العالمي لاقتصاد مزدهر (نحو تريليون دولار العام 2008). بالإضافة إلى دورها في تعزيز المصالح والسياسات العربية، ومركزها الجيوسياسي ، وكمصدر رئيسي للطاقة التي يقوم عليها اقتصاد العالم. ما هو المطلوب من السعودية عالميا؟ ما هو الدور الذي تستطيع أن تلعبه في النظام الاقتصادي والمالي العالمي؟ وأي دور في إصلاحه وتوجيهه؟
أسئلة طرحها مراقبون في العواصم الأوروبية والعربية والإسلامية، قبل أيام!
ليس في الأمر مصادفة أن تسريبات بدأت باكرا مع بدء العد التنازلي لقمة مجموعة الدول العشرين الثانية التي تبدأ أعمالها اليوم في لندن، تتحدث عن استعداد السعودية زيادة حصتها في صندوق الدولي.
هذه التسريبات، وأغلبها من مؤسسات سياسية واقتصادية دولية اضطرت الرجل الأول في حقيبة المال الدكتور إبراهيم العساف، أن يبادر إلى نفي تلك الأنباء، فهي تسريبات أصبحت متكررة والهدف منها (سياسي) أكثر من اقتصادي تنموي. مع ملاحظة أن الوزير العساف، سبق له العمل في صندوق النقد الدولي، ويدرك توقيت هذه التسريبات الصحافية داخل المؤسسة النقدية.
ما يعني أنه إذا كان المطلوب عالميا من السعودية مجرد تقديم المال إلى صندوق النقد الدولي، فالأفضل لها أن تقدم هذا المال مباشرة إلى الدول التي ترى أنها أكثر حاجة للمعونة. كما أن السعودية تمتلك صناديق تنموية بها تستطيع تطوير صناديق الدعم التي اعتمدتها سابقا.
وإذا كان الغرض من مساهمة السعودية في صندوق النقد الدولي بهدف زيادة قدرته الإقراض أجدى وأنفع، فمن الأفضل أن تتولى هذه الأجندة السعودية والإشراف مباشرة على تنفيذ المشاريع في الدولة المقترضة، بعد الدراسة الفنية اللازمة. ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن السعودية درجت في السابق على تقديم منح وقروض مالية للدول العربية أو الصديقة.
إن قيمة المال ليست في كنزه، إنما في كيفية إنفاقه واستثماره، إذا كان وضع المال في الصناديق الدولية يوفر للسعودية مشاركة فعالة في الرقابة على أداء النظام المالي العالمي، بحيث تمثل السعودية مصالح الدول النامية وتدافع عنها في مجلس إدارة صندوق النقد، فلا بأس في هذه المشاركة.
وإذا اختارت السعودية تقديم المساعدة مباشرة لاقتصاد الإنتاج والخدمات في الدول المحتاجة، فهذا الخيار يوفر فائدة كبيرة للسياسة السعودية، في أداء دورها الإنساني، وخدمة السمعة والمصالح السياسية العربية.
|