تأثير الأزمة المالية في التأمين التعاوني

[مخاوي الليل]

تأثير الأزمة المالية في التأمين التعاوني



د. محمد صالح المنجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد:
فإنه لا يخفى على أحد ما أصاب العالم في الآونة الأخيرة من جراء الأزمة المالية الكبيرة، التي مثَّلت حدثا عظيما له تعقيداته وتداعياته المتعددة، يوضح ذلك الاضطراب الكبير الذي عاشه الاقتصاديون والسياسيون وغيرهم على مستوى العالم.
هذا الأمر الذي كان من شأنه أن يرد العالم كله إلى إعادة حساباته والنظر في أنظمته المالية التي أوقعتهم في تلك الأزمة، وما كان إلا أن استيقظوا من أحلامهم الكبيرة الناشئة على وهم التضخم المالي الذي أصابهم، الذي كانوا يظنونه تقدما اقتصاديا، وهو في الحقيقة أشبه بفقاعات الماء التي تنفجر بأقل تأثير، فكان أن أوضحت هذه الأزمة بشدة وجلاء مدى فساد العقود المالية التي كان العالم يمارسها تحت وهْم: الاقتصاد العالمي كبير لا يهزُّه شيء.
ولعل أكبر أسباب هذه الأزمة اشتمال تلك العقود على مخالفات، هي في نظر الشريعة مخالفات شرعية كبيرة، كان من أبرزها الغرر بأنواعه كلها، غرر في الحصول، وفي المقدار، وفي الأجل، كما اشتملت تلك العقود على الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة، الذي تمثل في القروض العقارية وغيرها، التي بلغت نحو 1.3 تريليون دولار. كما اشتملت هذه العقود على بيع الدَّيْن بالدَّيْن، الذي لا يستفيد المتعاقدان منه سوى شغل الذمة دون فائدة، وهذا مخالف للمقصود من العقود وهو ترتب آثارها فيها، كما اشتملت تلك العقود على الميسر بكامل صوره، فلا تكاد تخلو صورة من صور التعاقد من ميسر أو قمار، كما اشتملت على بيع المعدوم وبيع ما لم يقبض، وغير ذلك مما يستوجب غضب الله تعالى.
لقد كان من أبرز المتضررين من تلك الأزمة شركات التأمين التعاوني، حتى أصبحت في مأزق كبير، فلم تسلم شركات التأمين السويسرية، وهو القطاع المزدهر عالميا من هذه الأزمة، فكانت شركة التأمين السويسرية سويس ري تقف فوق قنبلة موقوتة حقيقية ـ حسب تعبير الخبراء والمحللين.
كما أعلنت بعض شركات التأمين السويسرية خسارة صافية بقيمة 303 ملايين فرنك سويسري.
كما لم تسلم شركات التأمين في اليابان، فقد أعلنت شركة ياماتو لايف للتأمين اليابانية إفلاسها نتيجة الخسائر المرتبطة بالأزمة المالية العالمية.
كما لجأت ثلاث شركات تأمين يابانية إلى الاندماج لحماية نفسها من آثار الأزمة المالية الحالية.



شركه إيه آي جي أو أمريكان إنترناشيونال جروب الأمريكية، أكبر شركة تأمين في العالم، تأثرت بالأزمة المالية تأثرا كبيرا حتى اضطر البنك المركزي الأمريكي إقراضها 85 مليار دولار، ليجنبها مضار الأزمة.
لقد أثرت هذه الشركة في سوق التأمين السعودية، وذلك أن نسبة ارتباطها بسوق التأمين السعودية تمثل 3 في المائة، كما أن لها إسهامات على قطاع الطاقة السعودية بنسبة 5 في المائة.
أكثر من 25 في المائة من سوق التأمين الكويتية، وربما الخليجي يتعامل مع هذه الشركة في مجال التأمين، فهذا غيض من فيض من شركات التأمين التعاوني التي تضررت جراء الأزمة المالية.

موقف المسلم
إن الأزمة المالية، على بالرغم من تأثيراتها السلبية في العالم كله، بما في ذلك العالم الإسلامي، إلا أنها محنة جلبت في طياتها منحة، وذلك أن هذه الأزمة كشفت عن سمو التشريع الإسلامي، وأنه من لدن عليم لطيف خبير(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك14، الذي ينص على تحريم غالب ما اشتملت عليه تلك العقود التي كانت السبب الرئيس في الأزمة، حتى أقروا هم بأنفسهم أنهم بحاجة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مشاريعهم الاقتصادية.
ولا شك أن التأمين التعاوني من العقود المخالفة لشريعة الإسلام، حيث اشتمل هذا العقد على الغرر والميسر والربا بنوعيه، فكان هذا النوع من الشركات ضربا من ضروب أكل المال بالباطل، وكان الواجب على المسلمين أن يستبدلوا الخبيث بالطيب، وأن يجروا العقود فيما بينهم وفقا لأحكام الشريعة، استغناء بها عما سواها.
والله الموفق