العودة   الذهبية > تراث و مناطق > الحجــــــــــاز

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: طريقة صنع البان كيك (آخر رد :om abeer)       :: طريقة المعمول بالتمر الرائع (آخر رد :om abeer)       :: طريقة الفوتشيني (آخر رد :om abeer)       :: إيدي هاو يضع علامة برونو غيماريش وهو يتطلع إلى المرحلة التالية من مشروع نيوكاسل يوناي (آخر رد :هدي فاروق)       :: العلاج فى المانيا للعرب (آخر رد :اميرة ابى)       :: طريقة تحضير السبانخ في المنزل (آخر رد :om abeer)       :: تعريف القانون الدستوري (آخر رد :merehan)       :: كيفية التخلص من غزو النمل بسرعة (آخر رد :سمي)       :: نصائح لمكافحة الحشرات بق الفراش (آخر رد :سمي)       :: ما هي الكبسولة الذكية (آخر رد :mmrwan)      

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-11-2004, 03:00 AM
الصورة الرمزية العرب أهلي
العرب أهلي العرب أهلي غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Nov 2004
المشاركات: 1,457
افتراضي وصف المدينة المنورة عام 1230 هجري

وصف المدينة المنورة عام 1230هـ لبركهارت
إعداد الدكتور . عبد الباسط عبد الرزاق بدر
مدير عام مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة

( تنبيه : لقد تم حذف كثير من الفقرات المغلوطه من قبل لبركهارت أمل منكم الإنتباه والتعليق على أي فقرات أو أقوال كتبت من قبل هذا الرحاله )

الهدف من زيارة الجزيرة العربية

كانت الجزيرة العربية قبل قرنين منطقة مجهولة لمعظم الأوربيين ، فباستثناء الموانئ التي رست فيها السفن الأوربية لم يصل إليها المستكشفون والرحالة ؛ بسبب طبيعتها الصحراوية القاسية ، ونفور أبنائها من الغرباء المريبين ، وتحريم مكة والمدينة على غير المسلمين .
لذلك تحمس بعض المغامرين للسفر إلى الجزيرة العربية للتعرف عليها ، واستعدوا له استعدادًا كبيرًا ؛ فدرسوا اللغة العربية ، وأمضوا مدة من الزمن في مدن عربية ، يعيشون الحياة اليومية ، ويتدربون على استخدام لهجاتها المحلية ، وتعرفوا على دقائق الشخصية العربية ، وقرأوا تاريخ المناطق التي سوف يزورونها ، ودرسوا شيئًا عن الإسلام ، وأوغل بعضهم - وخاصة الذين خططوا لزيارة مكة والمدينة - فادعوا اعتناقه ، وغيروا أسماءهم إلى أسماء إسلامية ، وحصلوا على وثائق رسمية بذلك ، وسافروا مع قوافل الحج إلى الحجاز ، ودخلوا مكة والمدينة ، ومكثوا في كل منهما مدة من الوقت ؛ تمكنوا خلالها من دراسة معالمهما ، ورسموا خرائط مفصلة لهما ، ودرسوا أوضاعهما السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، ورصدوا العادات والتقاليد فيهما ، وكتبوا عن ذلك كله كتابات دقيقة مفصلة .


أسماء بعض الرحالة الغربيين :

وعلى امتداد القرن التاسع عشر الميلادي - الثالث عشر الهجري - وفد عدد من الرحالة الغربيين إلى الحجاز ، وأقاموا في مكة والمدينة ، وكتبوا عنهما كتابات قيِّمة ، ومن أشهرهم : جوهان بركهارت ، ولويس كنت ، وريتشارد بريتون ، وكريستيان سنوك ، ولكي ندرك قيمة ما كتبوه نذكر أن تلك الكتابات كانت النافذة الكبيرة التي أطل منها الغرب على المنطقة آنئذ ، وأن الصورة التي رسمتها للمنطقة وأهلها هي التي انطبعت في أذهان الأوربيين لفترة طويلة ، ورسمت الخطوط العريضة لسياستهم إزاءها ، فقد اعتمدت الحكومة الهولندية على آراء سنوك في تنظيم سياستها في الشرق ، واستفادت بريطانيا من آراء بركهارت وكنت وبرايتون في التعامل مع حكومة الحجاز الهاشمية ، وتكاد تكون آراء كنت وتوصياته في بث النزعة القومية ، والثورة ضد العثمانيين تخطيطًا مبكرًا لسياسة بريطانيا مع الشريف حسين .
تقييم كتابات الرحالة الغربيين :
لا شك أن كتاباتهم متأثرة - بشكل أو بآخر - بدوافعهم الخاصة ، تحمل آثار عقائدهم وتصوراتهم وطبيعتهم الغربية ، وليس من الضروري أن نستسلم لها كليًا ، ولكنها أيضًا ليست مجموعة أكاذيب مختلقة ، بل إنها ضرورية لنا ونحن نبحث عما يغطي ثغرات في تاريخنا المدون ، وليس صعبًا على الدارس المحقق أن يميز سلبياتها وينحيها جانبًا ؛ فضلاً عما يمكن أن يستفيده من دراسة تلك السلبيات نفسها في فهم الرؤية الغربية وتحليلها للشخصية العربية المسلمة ، وفي تفسير الأحداث التي بنيت على تلك الرؤية وذاك التحليل .

التركيز على رحلة بركهارت عن المدينة المنورة:

وتنجلي صحة هذه المقولة في الكتابات التي نعرضها في الصفحات القادمة للرحالة بركهارت عن المدينة المنورة قبل قرنين تقريبًا ، والتي وصفها فيها وصفًا دقيقًا ، جمع فيه بين ما رآه بعينيه ، وجربه بنفسه ، وقاسه بقدميه ، وسمعه من مرافقيه ، والتقطه ممن لقيهم في المدينة المنورة .

التعريف بشخصية بركهات

يعد جوهان لودفيج بركهارت John Lewis Burckhardt من أعلام الرحالة والمستشرقين في القرن التاسع عشر الميلادي ، الثالث عشر الهجري ، ومن رواد الرحالة الغربيين الذين زاروا المدينة المنورة وكتبوا عنها .
وبركهارت سويسري الأصل ، ولد بمدينة لوزان عام 1783م/ 1199هـ ، وكان والده ضابطًا في الجيش ، وعندما احتلت القوات الفرنسية بلاده نزح إلى ألمانيا بأسرته ، واستوطن في مدينة ليبزج ، فنشأ بركهارت فيها ، وتعلم في مدارسها إلى نهاية المرحلة الثانوية ، ثم درس في جامعة جوتنجن وتخصص في الكيمياء ، وبعد تخرجه انتقل إلى إنكلترا ، وكانت الهيئات الاستشراقية ترسل بعثات إلى مناطق مختلفة في آسيا وأفريقيا ، فاتصل بها ، وعرض عليها خدماته ، فرحبت به الجمعية الأفريقية ، وقدمت له المساعدات اللازمة ليقوم برحلة استكشافية إلى تمبكتو ، وكانت الجمعية قد أرسلت إليها بعثات من قبل ، ولكنها أخفقت وهلك أعضاؤها ، فقرر بركهارت أن يرحل إليها بصحبة قافلة الحج التي تعود من مكة إليها كل عام ، وهذا يقتضي أن يرحل أولاً إلى الحجاز ، أو إلى أية محطة قريبة منها تتوقف فيها القافلة ليسافر معها .


خطة بركهارت

أعد بركهارت نفسه لهذه الرحلة إعدادًا جيدًا ؛ فدرس اللغة العربية والطب ، وشيئًا عن الإسلام ، وانتحل شخصية طبيب مسلم ، وتسمى باسم إبراهيم بن عبد الله ، وغادر بريطانيا في شهر مارس آذار عام 1809م ، ويوافق شهر صفر 1224هـ إلى جزيرة مالطا ، ومنها إلى سورية ، واستقر في مدينة حلب ، وواصل فيها دراسة اللغة العربية والشريعة الإسلامية في حلقات المشايخ مدة عامين ، وخلال هذين العامين تجول في بادية الشام ، واختلط بالقبائل البدوية وخاصة قبيلة عنزة ، ووصل إلى مدينة البتراء الأثرية في الأردن ، ولم يكن الأوربيون قد وصلوها بعد ، فاعتبر رائد مكتشفيها .

وفي شهر فبراير شباط عام 1812م الموافق لشهر صفر 1227 سافر إلى مصر ؛ ليرافق قافلة تمبكتو العائدة من الحج ، ولكنه لم يدركها ، فأخذ يفتش عن طريق آخر من جنوبي مصر إلى غرب إفريقيا ، فتوغل جنوبًا ، ووصل بلاد النوبة ، وتجول فيها ، وأدرك أنه لن يجد الطريق الذي كان يأمله ، فغير خطته ، وقرر أن يسافر مع قافلة الحج السودانية إلى الحجاز ؛ حيث يلتقي بقافلة تمبكتو ويرافقها في طريق عودتها .

وصول الى جده :

أبحر بركهارت من ميناء سواكن السوداني مع قافلة الحج إلى جدة في شهر يونيو عام 1814م ، ويوافق شهر رجب 1229 ، وسافر من جدة إلى الطائف ، وقابل محمد علي باشا ؛ الذي وصل إليها في ذلك الوقت لمحاربة الدولة السعودية الأولى ، وشك محمد علي في أن يكون بركهارت جاسوسًا لبريطانيا ، ولكن طبيبًا أرمنيًا كان يرافق حملة محمد علي أنقذ بركهارت وحصل له على مساعدة مالية ، وخطاب يبين أنه مسلم وفي حماية الباشا .

الوصول إلى مكه :

انتقل بركهارت إلى مكة ، ومكث فيها أكثر من أربعة أشهر ، اطلع خلالها على معالمها ، والحياة فيها ، وسجل ملاحظاته عنها ، ورسم خريطة مفصلة لها .

الوصول إلى المدينه

وفي الخامس عشر من شهر يناير كانون الثاني عام 1815م الموافق 3 صفر 1230هـ غادر مكة إلى المدينة المنورة في صحبة قافلة الحجاج الذين أتموا حجهم وقصدوا زيارة المسجد النبوي والسلام على رسول الله #61554; ، فوصلها صباح الثامن والعشرين من يناير كانون الثاني 1815م الموافق 16 صفر 1230هـ ، وبعد وصوله بقليل أصيب بالحمى ( هذا أمر الله في مثل هذا الكافر منتحل شخصية مسلم ) ، وعانى منها معظم مدة إقامته فيها ، ورغم ذلك تمكن من زيارة معظم معالمها ، والاطلاع على جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيها ، ورسم لها خريطة تفصيلية ، وفي الحادي والعشرين من شهر نيسان عام 1815م الموافق 11 جمادى الأولى 1230هـ غادر المدينة إلى ينبع ، ومنها إلى مصر ، فكانت مدة إقامته في المدينة ثلاثة وثمانين يومًا .

الوصول إلى مصر ووفاته :

وصل بركهارت إلى مصر في شهر يونيو عام 1815م ، الموافق جمادى الآخرة 1230هـ ، وكانت الأمراض التي أصابته قد أرهقته ، وصادف وصوله انتشار الطاعون في القاهرة ، فخرج منها إلى صحراء سيناء ، واختلط بقبائلها البدوية مدة شهرين ، ثم عاد إلى القاهرة ، وعكف على إكمال كتبه ، وانتظار تحسن صحته ليقوم بالرحلة التي جاء من أجلها إلى تمبكتو ، ولكن صحته استمرت في التدهور ، ووافاه الأجل في 6 نوفمبر عام 1817م ، الموافق 26 ذي الحجة عام 1232هـ ، ودفن في مقابر المسلمين ، وكتب على قبره : هذا قبر المرحوم إلى الله تعالى الشيخ حاج إبراهيم المهدي بن عبد الله بركهارت اللوزاني ، تاريخ ولادته 10 محرم 1199 ، وتاريخ وفاته إلى رحمة الله بمصر المحروسة في 26 ذي الحجة عام 1232هـ.

إنتاجه الفكري :

ترك بركهارت عدة مؤلفات مهمة ، طبعتها الجمعية الجغرافية الملكية في بريطانيا ، وهي :
1 - الرحلة إلى بلاد الشام ، طبع عام 1814م .
2 - رحلات إلى الجزيرة العربية ، طبع عام 1828م .
3 - مجموعة أمثال عربية مع ترجمتها وشرحها بالإنكليزية ، طبع عام 1830م .
4 - سجلات أسفار في الشرق الأدنى والاتصال بالبدو الوهابيين ، طبع عام 1831م ، وقد ترجمه الدكتور عبد الله صالح العثيمين بعنوان : (( موارد لتاريخ الوهابيين )) وطبعه في الرياض عام 1405هـ ، وطبعه طبعة ثانية عام 1412هـ .
تقييم رحلة بركهات :
ويعد بركهارت من أوائل الرحالة المستشرقين الذين كتبوا عن الدعوة السلفية والدولة السعودية الأولى . وفي كتاباته إشارات تاريخية وتحليلات وأحكام قيمة ، كما أن فيها مفهومات خاطئة ، وقد علق الدكتور العثيمين على تلك المفهومات تعليقات قيمة في ترجمته للكتاب المذكور .
سجل بركهات رحلته على شكل يوميات ، وحرص على ذكر اليوم والساعة والوقت ، واتجاه السير ، ووصف ما كان يشاهده بدقة ، وتحرى عن كل منطقة مرَّ بها ، وعن القبائل التي تسكنها ، والصفات التي تتميز بها ، ويبدو أنه استفاد من مرشدي القافلة الخبراء بالطريق والمناطق ، كما استفاد من اختلاطه السابق بقبائل بادية الشام ، ومن المعلومات التي جمعها من الكتب ، والتي أشار إليها مرات عدة في كتاباته ، وقارن بين ما جاء فيها وما يراه ، ورصد التغيرات إن وجدت .


ولما كانت رحلة بركهات في وقت شهدت فيه المنطقة تغيرات سياسية ضخمة ، وهي انحسار الدولة السعودية الأولى عن الحجاز ، واستيلاء قوات محمد علي باشا عليها ، فقد حرص بركهارت على تسجيل آثار تلك التغيرات في المنطقة ، كما حرص على تسجيل الأحداث التي ما زال الناس يتناقلون أخبارها ، والتي جرت في العهد السعودي . وقارن بين العهدين : السعودي والمصري / العثماني الجديد ... ولا تخلو هذه المقارنات وتلك التسجيلات من فوائد كبيرة ؛ تساعدنا على إعادة تقويم بعض الأحكام التاريخية .

العمارة في المدينه المنورة:

شغل حديث بركهارت عن المدينة سبعين صفحة من كتابه رحلات إلى الجزيرة العربية ؛ حيث وصف بشيء من التفصيل مظهرها العمراني العام كما يراه المقبل عليها ، وسوريها الخارجي والداخلي ، وقاس محيط السور الخارجي بالخطوة فوجده ألفين وثمانمائة خطوة تقريبًا ، ووصف أبواب السورين ، وقارن بين باب المصري في سور المدينة ، و باب الفتوح في سور القاهرة ، وذكر أحياء المدينة حسب توزعها بين أبواب السورين ، وأبدى إعجابه بالعمارة المدينية ، وشبهها بعمارة مدينة حلب ، ولاحظ آثار الحرب التي أشعلها جيش محمد علي باشا في خراب بعض بيوت المدينة أو هجرها ، أو إهمال صيانتها ، وربط بين قلة الزوار في سنوات الحرب وبعدها ، وشح موارد أهل المدينة ؛ الذين أهملوا الإنفاق على بيوتهم عندما لم يتحقق لهم الموارد التي اعتادوا عليها من قبل .
عوائل وقبائل المدينه المنورة والحياة الإجتماعيه
وقد استقصى بركهارت المعلومات عن أهل المدينة ، وسأل من لقيهم منهم عن أصولهم وقبائلهم ، والبلاد التي وفدوا منها ، وعن بقية الأنصار والحسينيين الذين قرأ عنهم ، وساق معلومات جيدة عن أهم عائلات المدينة ، وتحدث عن بعض طبائعهم وعاداتهم الاجتماعية ، ومدى تمازجهم مع الآخرين ، وخاصة المجموعات التي تنتمي إلى أصول هندية وأوربية وأفريقية ، وتحدث عن خليط الأزياء الذي رآه في سكان المدينة ، ووصف الزي المدني ، وأعجب بحسن ثياب أهل المدينة بعامة ، وبأثاث بيوتهم ، وفضله على ما رآه في مكة ، ولكنه لم يعجب بطعامهم ، ووصفه بأنه فقير ، أي قليل التنوع ، وأثنى على نساء المدينة ، ووصفهن بالعفة والاحتشام وحسن السيرة ، وتحدث عن مهن أهل المدينة ، وانتقد ندرة الحرفيين فيهم ، وتكبرهم عن العمل في المهن الأساسية ، واعتمادهم على ما يصلهم من صدقات ومخصصات في الصرة السنوية ، وقرر أن هذه الأموال شجعتهم
على الكسل ، غير أن بعضهم اهتم بالزراعة وعمل فيها ، واستنتج من قلة الخيل أن المدنيين يميلون إلى السلم ويكرهون الحرب ، وعلل كثرة الحمير بفائدتها للنقل والزراعة ، وتحدث عن كراهيتهم للكلاب وطردها ، وتخصيص يوم في السنة للتفتيش عنها وإجلائها أو قتلها ، ووصف ما شهده من احتفالات أهل المدينة ، وخاصة في ذكرى المولد النبوي ؛ حيث تعطل الأعمال ، ويلبس الناس أفضل ثيابهم ، ويتبادلون التهاني ، وأعجب بما رآه من موقف أهل المدينة من الموت ، وتجلدهم وأسلوب عزائهم ، وعدم نوح نسائهم ، وجنازاتهم الوقورة ، والحزن الهادئ الذي يسود ذوي المتوفى ، وقارن ذلك بعادات وطقوس الجنائز الغربية ، ورأى أن الجنائز المدنية أكثر تعبيرًا عن المشاعر الصادقة .
واهتم بالحالة الصحية لأهل المدينة ، وأهم الأعراض والأوبئة التي تفشت فيهم ، وقد عانى هو نفسه من الحمى معظم فترة إقامته .
ومن الإنصاف أن نقول : إن ما كتبه عن وصف المدينة وسكانها يعد دراسة شاملة ومتأملة لأحوالها العمرانية والاجتماعية والاقتصادية .
كما اهتم بالمسجد النبوي ، ووصف حالته العمرانية ، وقارن ما شاهده بما قرأه في كتاب السمهودي ، واتهم السمهودي بالمبالغة في إطراء المسجد ، وقرر أن عمارته متواضعة لا تقاس بالعمارات الدينية المتميزة في أوربا ، وأن الزخرفة فيه لا تعادل زخارف كنيسة أثرية في أوربا ، ولخص تاريخ عمارة المسجد النبوي من كتابات السمهودي .

إنتقاده لأسلوب الإدارة في المدينة في ذلك العصر

ولم يكتف بركهارت بوصف ما كان يراه أو يسمعه ، بل كان يحاكمه بمقاييسه أحيانًا ، ويحكم عليه ، وينتقد ما يراه من خلل أو تقصير ، فقد أثر فيه مظهر بعض الحجاج الفقراء وما بدا عليهم من آثار الفاقة ، وانتقد الخلفاء والسلاطين لعدم اهتمامهم بهم ، وبنائهم بيوتًا خاصة تهيئ لهم المأوى والطعام ، وتساعدهم على أداء حجهم .
كما انتقد حكام المنطقة آنئذ لسوء إداراتهم وتسلطهم ؛ حتى إن المواطن يعيش في حالة خوف على ممتلكاته من جشعهم ، وقلق على مستقبله ؛ لأنه لا يملك نظامًا للتقاعد أو ضمانًا لمساعدته في شيخوخته .
وتوقف عند شخصية أحد المتنفذين في المدينة ، وعده نموذجًا لطغيان السلطة وتلونها ، فقد استطاع هذا الشخص أن يكون المستفيد الأول في المدينة قبل العهد السعودي ، ثم بايع السعوديين عندما بسطوا سلطتهم على المدينة ، وسلك مسلكهم ليحافظ على سلطانه ، وعندما جاءت جيوش محمد علي باشا تحول إليها ، وصار أحد رجالاتها المتسلطين .
ويبدو أن بركهارت لم يدرك نهاية هذا الرجل عندما أمر محمد علي بالقبض عليه وقتله ، ولكنه رأى آثاره وهو في نفوذه ، ولمس تسلطه على أهل المدينة وممتلكاتهم .
تقدير دور العهد السعودي والإشادة بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب:

وعرض بركهارت خلال ملاحظاته الأحوال العامة في المنطقة خلال العهد السعودي ، وتتبع حركة الدولة السعودية الأولى بدقة ، وأشاد بما تحقق فيها من أمن للبلاد والعباد ، وشهد بنجاح الأسلوب الذي اتبعه رجالها في القضاء على الفوضى والاضطرابات ، والاعتماد على القبائل نفسها التي تبعت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية في تثبيت الأمن ، والتي يسميها بالاسم الذي أشاعه العثمانيون عنها ( الوهابية ) ، ورفض المقولات التي تتهمهم بأنهم كانوا يفرضون الضرائب المرهقة على الناس ، ووصفها بأنها إشاعات غير صحيحة ، وأشاد بجهود السعوديين في تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن واردات الشام ومصر قدر الإمكان ، والالتفات إلى نجد والاستفادة من منتجاتها الزراعية والمواشي ، وتواتر القوافل التجارية منها إلى أسواق الحجاز لتوفير المواد الأولية اللازمة.

وصف الحالة الإقتصادية للمدينه :

وعندما وصف الحالة الاقتصادية للمدينة لحظ أثر حملة محمد علي باشا في اضطرابها ، فقد اختفت الحاجات الأساسية من الأسواق أو شحت ، وارتفعت الأسعار ، وتلاعب بعض التجار بها ، وتسلطت الحملة على الجمال ، وسخرتها لنقل جنودها وعتادها ، والمحتسب الذي يفترض أن يضبط الأسواق لا سلطان له عليها .
ولحظ غياب بعض الخدمات الضرورية التي يحتاجها الزوار ؛ مثل غسيل الثياب ، فلا توجد محلات عامة لذلك ، وعلى كل حاج أن يغسل ثيابه بنفسه ، أو يتدبر أمره مع الأسرة التي يسكن لديها ، وكذلك خدمات الطعام ؛ فلا توجد مطاعم عامة مناسبة ؛ فضلاً عن ندرة المهن الحرفية ؛ كالنجارة والحدادة ، التي يترفع المدنيون عن العمل فيها ، وانتقد الأسر المدنية التي لا تربي أولادها على الاحتراف ، وتتركهم ينشأون كسالى ، معتمدين على أموال الصرة ، وعلى رحلات الاستجداء إلى القسطنطينية وغيرها من البلاد ، واستثمار القداسة التي ينظر بها المسلمون إلى المدينة ، والاحترام الذي يكنونه لأهلها ؛ فيعطونهم ، أو يوظفونهم أئمة في مساجدهم لبعض الوقت ، ويرجع هؤلاء بأموال وهدايا كثيرة ، كما أن بعض المدنيين يقيم علاقة وشيجة مع الزوار الذين يُسكنونهم في بيوتهم ، فيرسل هؤلاء إليهم الأموال سنويًا مع الحجاج الآخرين ليذكروهم في الدعاء ، وقد شكا بعض أهل المدينة من أن سنوات الحكم السعودي والحرب التي تلتها قطعت أو خففت تلك الموارد ، وأن الكثيرين توقفوا عن إرسال عطاءاتهم السنوية .

ويبدو أن بركهارت اطلع أو سمع عن سوء توزيع أموال الصرة والعطايا التي ترد من العاصمة العثمانية ، وأن بعض المتنفذين والأغنياء يستولون على قدر مهم منها ، ولا يبقى للفقراء المحتاجين إلا الفتات .
وتوقف بركهارت عند تصرفات بعض الزائرين ، ولاحظ أن الزنوج الأفارقة يفتقرون إلى العلم والمعرفة ، وأن عقائد بعضهم مضطربة ؛ حتى ليكادوا يؤلهون الرسول #61554;( ) ، كما أن بعضهم الآخر ممن بقي في المدينة واستوطنها لا يتورع عن صناعة الخمر وبيعه بشيء من الحرص .
بعض ملاحظاته نابعه من عقيدته النصرانيه :
غير أن ملاحظات بركهارت لم تسلم من آثار عقيدته النصرانية ، فقد احتكم في بعض آرائه إلى مقاييسها ، واتخذ في بعضها الآخر مواقف متصلبة لا تخلو من العدوانية .
فعندما عرض للزخارف والنقوش على أعمدة وسقف الروضة في المسجد النبوي استقلها ، وقارنها بزخارف الكنيسة الكاثوليكية المبهرة ، وعد بساطتها من قلة اهتمام المسلمين وضعف التقوى لديهم ، وفسر غلبة الرسوم النباتية فيها بأنها تساعد خيال المسلم على تصور جنات عدن.
ورغم قراءاته الكثيرة في المصادر الإسلامية فإنه لم يحسن فهم وظيفة المسجد ، والنهي عن المبالغة في زخرفته ، والفروق الواضحة بينه وبين الكنائس ، كما أنه خلط بين الأحكام التي وردت فيها نصوص من القرآن والسنة ، وبين أقوال العامة وأفعالهم أحيانًا ، ففسر فضل الصلاة في المسجد النبوي بأنه من تحريضات العامة.
ووضع في رأس أسباب ضعف الحالة الاقتصادية غياب نظام الفائدة ( الربا ) ، والحظر الذي فرضته الدولة العثمانية على البنوك الربوية.
وتظهر الملامح العدائية في اتهامه لأهل الشرق عامة بأنهم لا يملكون إلا القليل من الشرف والتقوى والإحسان ، وأنه متركز في الفقراء والبلهاء .
رأي معد هذا المبحث :
ولكن باستثناء هذه السلبيات القليلة يبقى وصفه للمدينة من أشمل وأدق ما وصلنا من عصره ، وتبقى تحليلاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية صحيحة إلى حد كبير ، تساعدنا على استجلاء صورة للحياة في المدينة في فترة شهدت تحولات كثيرة ، وتأثرت بتغير السلطة من العثمانيين إلى السعوديين ، ثم إلى محمد علي باشا .
وسوف أعرض في الصفحات التالية ترجمة للفصل الذي خصصه بركهارت لوصف المدينة المنورة كما رآها ، وتحليلاته للجوانب العمرانية والاقتصادية والثقافية ، وبعض الجوانب الاجتماعية .

موقع المدينه المنوره

تقع المدينة على حافة الصحراء العربية الكبرى ، قرب سلسلة الجبال التي تقطع تلك البلاد من الشمال إلى الجنوب ، والتي تتصل بسلسلة جبال لبنان .
وقد ذكرتُ في كتاب (( رحلة عبر الصحراء العربية )) أن السلسلة الجبلية القائمة شرقي البحر الميت تمتد باتجاه العقبة ، وتستمر محاذية لشاطئ البحر الأحمر إلى اليمن ، وتقترب من البحر حينًا ، وتبتعد عنه حينًا آخر ، حيث يقوم بينهما سهل واسع يسميه العرب (( تهامة )) بينما يطلق هذا الاسم في اليمن على جزء من ذلك السهل .
وذكرت أيضًا أن انحدار هذه الجبال نحو الشرق أقل بكثير من انحدارها نحو الغرب ؛ لذلك فإن السهل الذي يقع شرقيها يرتفع بشكل واضح عن مستوى سطح البحر ، وقد لاحظت الأمر نفسه حينما ذهبت إلى الطائف واجتزت الجبل المسمى جبل كرا Kara وهو جزء من تلك السلسلة .
والأمر نفسه يلاحظ في المدينة ؛ فالجبل الذي هبطنا منه عند قدومنا يبدو من جهة الساحل عالي القمم ، وعندما وصلنا إلى السهل العلوي بجوار المدينة بدت تلك القمم نفسها على يسارنا وكأنها مجرد تلال لا يزيد ارتفاعها عن السهل الشرقي على ثلث ارتفاعها من الجهة الغربية حيث شاطئ البحر .
وتلامس امتدادات تلك الجبال أطراف المدينة من جهتها الشمالية ، بينما ينبسط الجانب الآخر ، وإن لم يكن مستويًا تمامًا .
ويبرز في السهل جزء من هذه السلسلة هو جبل أحد ، ويبعد عن المدينة مسير ساعة واحدة ، ويقع بين الشمال والشمال الشرقي للمدينة( ) .
وعلى مسافة ثمانية إلى عشر ساعات ( 6 درجات شمال شرق ، وجنوب شرق 6 ) توجد سلسلة من التلال قليلة الارتفاع تمتد شرقًا ، ويعبرها الطريق إلى نجد ، وتوجد تلال أخرى مماثلة على نفس المسافة في الجنوب الشرقي .
وفي جهة الجنوب تمتد المنطقة في سهل مستو تمامًا بامتداد البصر ، ويظهر على مسافة ساعة إلى ساعة ونصف جبل آخر يسمى جبل عير ، وهو جبل كجبل أحد يبرز من السلسلة الغربية داخل السهل .
وقد بُنيت المدينة نفسها في أخفض جزء من ذلك السهل ؛ لذا تستقبل السيول المنحدرة من الجبال الغربية ، كما تستقبلها من الجنوب والجنوب الشرقي ، وينتج عنها في موسم الأمطار عدد من برك المياه الراكدة ، التي تتبخر تدريجيًا ، و تنتشر الحدائق والأشجار والأسوار لتعوق هبوب الرياح ، ولتغطي المنطقة ، ولا يبقى مكشوفًا للناظر إلا جهة واحدة هي الجهة التي تمتد فيها الطريق إلى مكة ، حيث تستحيل الزراعة فيها ؛ لأن الأرض صخرية .
وتنقسم المدينة إلى : المدينة الداخلية ، والضواحي ، والمدينة الداخلية بيضاوية الشكل ، محيطها ألفان وثمانمائة خطوة تقريبًا ، وينتهي الشكل البيضاوي في نقطة بنيت فيها القلعة على مرتفع صخري صغير ، ويحوط المدينة الداخلية سور من الحجارة السميكة يتراوح ارتفاعه ما بين خمسة وثلاثين وأربعين قدمًا ، عليه قرابة ثلاثين برجًا ، ويحوطه خندق ( من عمل الوهابيين ) ردمت معظم أجزائه ، والسور سليم كله ، يشكل وسيلة دفاع لها فعالية كبيرة في جزيرة العرب ، حتى إن المدينة بسبب السور كانت تعتبر حصن الحجاز الرئيسي ، وقد بني السور عام 360هـ ، وكانت المدينة قبل ذلك مفتوحة ومعرضة لغارات البدو المجاورين ، وأعيد بناؤه عدة مرات بعد ذلك ، كان آخرها عام 900هـ ، وحفر الخندق حوله عام 751هـ .
ووفق ما أذكره ( أسامي ) فإن بناءه الحالي مع بواباته تم بأمر السلطان سليمان بن سليم في نهاية القرن السادس عشر الميلادي ، وللسور ثلاثة أبواب جميلة ، يمكن الدخول منها إلى المدينة ، وهي : الباب المصري في القسم الجنوبي ( وهو ثاني بوابة عظيمة رأيتها في الشرق بعد باب الفتوح في القاهرة ) ، والباب الشامي في القسم الشمالي ، وباب الجمعة في الجانب الشرقي ، وباب صغير آخر في القسم الجنوبي يسمى الباب الصغير ، أغلقه الوهابيون .
وقرب الباب الشامي بجانب القلعة توجد كوة تطل على موقع يروى أن مسجدًا صغيرًا كان مقامًا عليه يدعى مسجد السبق .
وأبنية المدينة جيدة ، شُيِّدت كلها بالحجارة ، ومنازلها مكونة من طابقين ، ولها سقوف مسطحة ، ولما كانت غير مطلية باللون الأبيض ، ومعظم حجارتها داكنة ، فإن الشوارع تبدو قاتمة ، وهي ضيقة في معظم أجزائها ، لا يزيد عرضها عن خطوتين أو ثلاثة ، وقد رصفت بعض الشوارع الرئيسية بحجارة كبيرة ، وهذا ترف نسبي يجده المسافر في الجزيرة العربية ...
والمدينة في جملتها واحدة من أجمل المدن المبنية التي رأيتها في الشرق ، تلي حلب مباشرة ، ولكنها تبدو حاليًا وكأنها مهجورة ، تشكو بعض بيوتها من التلف ؛ فأصحابها الذين كانوا يجنون أرباحًا طائلة من حشود الزوار المتوالية طول أيام السنة تقلصت أرباحهم الآن ( لقلة الزوار ) فخفضوا النفقات الباهظة التي كانوا ينفقونها في تجويد البناء وفي صيانته ؛ لأنهم أدركوا أن إيجار تلك البيوت لا يعوض تلك النفقات ، وأصبح من المألوف أن ترى بيتًا متداعيًا أو جدارًا متهدمًا في أي منطقة من المدينة .
فالمدينة حاليًا تبدو بالمظهر الذي يبعث على الإحباط ، والذي تبدو فيه أغلب مدن الشرق العريقة التي لم يبق لها إلا ظلال باهتة من بهائها القديم .
ويقودك الشارع الرئيسي - وهو أوسع الشوارع - من الباب المصري ( وسماه هنا باب القاهرة ) إلى المسجد الكبير ( المسجد النبوي ) ، وتقع أغلب الحوانيت في هذا الشارع ، ويمتد شارع رئيسي آخر هو شارع البلاط من المسجد إلى الباب الشامي ( وسماه هنا الباب السوري ) ولكن أغلب المنازل فيه متداعية ، كما أن فيه بعض الحوانيت ، ولا توجد حوانيت أخرى في بقية أجزاء المدينة ، وبهذا تختلف المدينة عن مكة التي هي سوق واحدة متصلة ، وبصورة عامة تبدو مكة مدينة عربية السمات ، فيما تبدو المدينة سورية الملامح .
ولم يكن لدي الوقت الكافي لاكتشاف كل أحياء المدينة ، غير أني سأسجل الأسماء التي تطلق على تلك الأحياء .
أحياء المدينه المنورة :
الأحياء التي يحدها الشارعان الرئيسيان الممتدان من الباب المصري والباب الشامي إلى المسجد النبوي هي :
الساحة - كومة حشيفة - البلاط - زقاق الطوال وفيه بيت القاضي ، وبيوت واسعة لها حدائق جميلة - زقاق الدرة - زقاق البقر .
والأحياء التي تقع شمال شارع البلاط تمتد من المسجد إلى باب الجمعة هي : الحماضة - زقاق الحبس - زقاق عانقي - زقاق السمهودي - حارة الميضة - حارة الشرشورة - زقاق البدور ، حارة الأغوات .

والأحياء التي تمد من باب الجمعة بمحاذاة القسم الجنوبي من البلدة حتى الباب المصري وشارع السوق الكبير هي : ذروان - الصالحية - زقاق ياهو - حارة أحمد حيدر ، حارة بني حسين حيث تسكن قبيلة بني حسين ، حارة سقيفة الرصاص - زقاق الزرندي - زقاق الكبريت - زقاق الحجامين - حارة سيدي مالك ، حيث كان بيت مالك بن أنس مؤسس المالكية - حارة القماشين .
وثمة عدد قليل جدًا من الأبنية الكبيرة والأبنية العامة داخل محيط المدينة والمسجد الكبير الذي يضم قبر سيدنا محمد #61554; ، ومدرسة عامة جميلة تسمى المدرسة الحميدية في شارع البلاط ، وواحدة أخرى مثلها قرب المسجد حيث يعيش شيخ الحرم .
وفي الربع الجنوبي للمدينة مخزن كبير للذرة ، له ساحة واسعة ، وبقربه حمام عام هو الحمام الوحيد في المدينة ، بناه محمد باشا نائب السلطان سليمان عام 973هـ ، وهذه المباني هي كل ما رأيته من المباني العامة .
وقد لاحظت أن مكة تفتقر أيضًا إلى الأبنية الأثرية الرائعة ، وبصورة عامة فإن سكان الجزيرة العربية لا يهتمون بفن العمارة ، حتى زعماؤهم يكتفون في بيوتهم الكبيرة بما هو ضروري ، والصروح المعمارية القائمة الآن في مكة والمدينة أنشأها سلاطين مصر أو القسطنطينية . إن التكلفة الكبيرة التي يتكبدها السادة المقيمون بعيدًا عن المدينتين لكي يزوروهما أكبر من أن تجعل زيارتهم لهما استعراضية ، غير أن افتقار المدينة للمباني العامة يعوض عنه وجود عدد من المنازل الخاصة الجميلة ، ولتلك المنازل حدائق صغيرة وآبار لريها ، وأحواض رخامية تملأ منها ، ويتحلق حولها أصحابها ، وقت الظهيرة في الصيف ، تظللهم عرائش عالية .
أما القلعة التي أشرت إليها سابقًا فتحيط بها أسوار منيعة وعدد من الأبراج العالية الصلدة ، وقد أردت الدخول إليها ومُنعت عند البوابة ، ومساحة القلعة تتيح لها أن تستوعب ما بين ستمائة وثمانمائة رجل ، وفيها عدد من الحجرات ذات الأقواس ، وبناؤها مقاوم للقنابل ، وإذا جهزت بحامية قوية وزودت بالمؤن لتكون منيعة ؛ تقاوم أي قوة في الجزيرة العربية ، فقد بنيت فوق الصخر ، ولا يمكن تقويضها ، غير أنها تبدو إزاء المدفعية الأوربية حصنًا لا قيمة له .
وفي القلعة بئر عميقة عذبة المياه ، وليس فوق أسوارها الآن سوى مدفعين أو ثلاثة ، كما أنه ليس في المدينة ما يصلح للدفاع عنها أكثر من اثني عشر مدفعًا .

ضواحي المدينه
وتمتد ضواحي المدينة غربًا وجنوبًا ، وتغطي مساحة أوسع من مساحة المدينة نفسها ، وتفصل بين المدينة وضواحيها مساحة مفتوحة ، تضيق جنوبًا ، وتتسع غربًا عند الباب المصري ، حيث تُكَوِّن ساحة واسعة تسمى المناخة ، ويشير اسمها إلى أن القوافل تنزل فيها - أي يتم إناخة الإبل فيها - وهذا ما يحدث فعلاً ، حيث يزدحم المكان دائمًا بالإبل والبدو ، وقد أقيمت فيه عدة صفوف من الأكواخ الصغيرة والعرائش تباع فيها المؤن ، وأهمها : الذرة ، والتمر ، والخضروات ، والزبدة ، ويوجد عدد من أكواخ (( المقاهي )) التي تمتلئ طوال اليوم بالرواد ، وتواجه المناخة منطقة ليس لها أسوار ، وأما المناطق الخارجية في الغرب والجنوب فلها سور أقل ضخامة وقوة من سورة المدينة الداخلي ، وقد تهدمت بعض أجزائه ، وفي جانبه الجنوبي أبراج صغيرة ، وتوجد أربعة أبواب تصل بين خارج المدينة وداخلها ، وهي أبواب خشبية صغيرة وضعيفة ، عدا الباب الذي يؤدي إلى الباب المصري فهو أكبرها وأفضلها بنيانًا .
ويتكون القسم الأكبر من الضواحي من ساحات واسعة ، بنيت حولها بيوت من دور واحد قليلة الارتفاع ، ويفصل بين الساحة والأخرى حدائق ومزارع وتسمى ( حوش ، وجمعها حيشان ) ، ويسكنها أبناء الطبقات الدنيا من أهل المدينة والبدو الذين استقروا فيها ، إضافة إلى العمال الذين يشتغلون في المزارع ، ويسكن في كل حوش ما بين ثلاثين إلى أربعين عائلة ، لذا تشكل الساحات قرى صغيرة منفصلة ، تشتبك حينما لا توجد حكومة مستقرة في خصومات مستحكمة ، وتربى الماشية وسط الساحة ، حيث توجد في كل ساحة بئر كبيرة ، وتغلق البوابة ، وهي المدخل الوحيد في الليل عادة .
وعلى الجانبين : الجنوبي والشمالي الغربي من المدينة تتكون ضواح قريبة من السور فيها ساحات تشبه الساحات التي وصفتها آنفًا ، وتمتد بينها وحولها بساتين ، وتتكون التجمعات السكنية أمام الباب المصري والمناخة من شوارع منتظمة جيدة الرصف ، فيها بيوت تماثل البيوت الموجودة داخل المدينة ، ويخترق الشارع المسمى ( العنبرية ) هذا الجزء من التجمعات السكنية ، وترتفع على جانبيه مبان جديدة يقيم طوسون باشا في إحداها ، وبجانبه أفضل بيت في المدينة يملكه التاجر الثري عبد الشكور ، تنزل والدة الباشا ( طوسوس ) زوجة محمد علي التي وصلت المدينة في زيارة خاصة .
وأما الأحياء الرئيسة في التجمعات السكنية فهي ( حارة العنبرية ) حارة الواجه ، حارة الصاح ، حارة أبو عيسى ، حارة مصر ، حارة الطيار ، حارة نفيسة ، حارة الحامدي ، حارة الشهرية ، حارة الخيبرية ، حارة جعفر .
ويملك كثير من سكان المدينة بيوتًا صيفية في البساتين ، حيث يمضون فيها شهرًا خلال موسم جمع التمر ، وكل بستان محاط بسور من الطين ، وتتخللها دروب فرعية ضيقة لا تتسع لأكثر من جمل محمَّل يمر في كل اتجاه .
المساجد الموجودة في المدينه :
وفي المناخة مسجدان ، الأول مسجد سيدنا علي ابن عم النبي ، والمسجد الثاني يسمى مسجد سيدنا عمر .
ويُسمِّي أحد مؤرخي مكة كلاً من هذين المسجدين مسجد الفتح ، ويسمي أحدهما الأعلى ؛ لأنه في أعلى بقعة من المدينة ، وكان بقربهما في القرن السادس عشر مسجدان هما مسجد أبي بكر ، ومسجد ذباب .
وكانت المناخة تسمى آنئذ جبل صولة والعرب يطلقون كلمة جبل على أية بقعة ترتفع عن الأرض ولو شيئًا قليلاً ، وكان في المدينة وضواحيها في عصر الكتاب ( مؤرخ مكة ) خمسة عشر مسجدًا آخر ، كلها مهدمة الآن ، وقد ذكر أسماء وتواريخ سبعة وثلاثين مسجدًا شيدت في عصور سابقة ، ولا وجود لها الآن .
وقيل لي : إن البيت الذي كان يعيش فيه سيدنا محمد #61554; ما زال موجودًا الآن بحي العنبرية ، لكن الكثيرين يشكون في هذا القول ، ولا أحد يزوره باعتباره مكانًا مقدسًا .
وكما هو الحال في مكة لا توجد هنا مبان أثرية ، وتسهم الأمطار الشتوية والجو النتروجيني الرطب أثناء موسم الأمطار والحرارة الشديدة التي تليه في تدمير المباني ، وبما أن الإسمنت المستخدم في البناء ضعيف جدًا فإن الأحجار تتفتت ، والجدران تتهدم .
وتروي قناة بديعة تمتد تحت الأرض المدينة بالمياه العذبة ، التي تُجلب - على نفقة السلطان سليمان - من قرية قباء ، وتبعد مسيرة ثلاثة أرباع الساعة جنوبًا ، وماؤها وفير ، وقد بنيت أدراج تهبط إلى مجرى القناة في عدة مناطق في المدينة كي يتزود السكان بالماء ، ومثل أهل مكة لا يدفعون مقابل ذلك شيئًا ، وقد شيد بالحجارة خزان كبير في المناخة على مستوى القناة على عمق يتراوح بين عشرين وخمسة وعشرين قدمًا تحت الأرض ، وتنبع مياه القناة من عدة عيون في قباء ، ورغم أنها ليست سيئة المذاق فإنها غير جيدة ، ولو تركنا هذه الماء في وعاء نصف ساعة ، فسنجد طبقة من النتروجين البيضاء تغطي جوانبه ، ويشكو الأجانب الذين لم يتعودوا على هذا النوع من الماء منذ وقت مبكر من أنه يسبب لهم عسر الهضم ، وتكون المياه فاترة عند منبعها بقباء ، وتحافظ إلى حد ما على حرارتها في المدينة .
وبالإضافة إليها توجد عدة آبار متوزعة في أنحاء المدينة ، ويوجد في كل بستان بئر يرويه ، وتظهر المياه عندما نحفر على عمق خمسة وعشرين أو ثلاثين قدمًا ، وبعض الآبار عذبة المياه صالحة للشرب ، وبعضها مالح إلى درجة كبيرة .
وتتناسب خصوبة الحقول والبساتين مع جودة مياه الآبار التي تسقيها ، فالتي تسقى بماء مالح قليلة العطاء ، لا يتناسب محصولها مع الجهد الذي يبذله أصحابها عدا أشجار النخيل التي تثمر بقدر واحد في جميع الأماكن .
إضافة إلى مياه الآبار والقناة المائية المبنية تحصل المدينة على قدر وافر من مياه وادي بطحان في فصل الشتاء ، الذي يتدفق من الجنوب إلى الشمال مرورًا بالضواحي ، ثم يغيب في وادٍ حجري في الشمال الغربي ، وتكفي الأمطار الغزيرة في ليلة واحدة لملء مجرى هذا الوادي ، ورغم أنه يتناقص بالسرعة التي يتكون فيها ، فقد وجدت في المنطقة التي تسمى العنبرية جسرًا حجريًا مقوسًا في حالة جيدة ، مبنيًا فوق مجرى السيل ، ويبلغ عرضه في ذلك المكان حوالي أربعين قدمًا .
والأراضي المنخفضة كثيرًا ما تبقى المياه فيها حتى قدوم أشهر الصيف ، وتسهم هذه البرك والتجمعات المائية في شهرة المنطقة بوفرة المياه ، حيث تتفوق في هذا الصدد على أية بقعة أخرى شمالي الجزيرة العربية ، ونتيجة لذلك صارت المنطقة مستقرًا هامًا للسكان العرب قبل أن تصبح مدينة مقدسة بزمن طويل ؛ حيث صارت مقدسة بسبب هجرة الرسول #61554; وإقامته ووفاته فيها ، وسميت لذلك المدينة ، أو مدينة الرسول #61554; .
وينتج عن توافر المياه في المدينة قلة استخدام خزانات المياه فيها ، وأظن أنه ليس فيها أكثر من بيتين أو ثلاثة تحوي خزانات مياه ، رغم أنه من المحبب كثيرًا جمع مياه الأمطار للشرب ، فهذه تفضل مياه قباء النتروجينية ، وتتحول المنطقة ما بين المدينة والضواحي بأكملها إلى بحيرة أثناء هطول الأمطار الغزيرة ، وتغطى المنطقة الجنوبية والجنوبية الشرقية بطبقة من الماء ، ويرحب السكان بهذه الفيضانات ، ويعدونها بشيرًا صادقًا بالخصوبة والنماء ، فهي لا تقتصر على ري نخيلهم ، بل تتسبب في انتشار الخضرة في السهول البعيدة التي يسكنها البدو الذين تعتمد عليهم المدينة في توفير حاجتها من الماشية والسمن .

وصف المسجد النبوي:
والمدينة جوهرة غالية ، مكانتها تماثل مكة ، بل وتتقدمها عند كثير من المؤلفين بسبب المسجد الكبير الذي يضم قبر سيدنا محمد #61554; ، ويطلق عليه اسم الحرم ، مثلما يطلق على المسجد الحرام في مكة ، وذلك بسبب حرمته ، وهذا الاسم يتداوله سكان المدينة ، بينما يسميه المسلمون في البلاد الأخرى مسجد النبي ، الذي أسسه ، وتُظهر الخريطة أن موقع هذا المسجد أقرب إلى الأطراف الشرقية للمدينة ، وليس في منتصفها كما يذكر المؤرخون والجغرافيون العرب القدماء ، ومساحته اصغر بكثير من مسجد مكة ، يبلغ طوله مائة وخمسة وستين خطوة ، وعرضه مائة وثلاثين خطوة ، لكنه يشبهه في نمط البناء ، حيث يتكون من ساحة مفتوحة تحوطها من جميع الجوانب أروقة مسقوفة ذات أعمدة ، ووسط المسجد يقوم مبنى صغير ، والأعمدة أقل انتظامًا من تلك الموجودة بمسجد مكة ، حيث تصطف على مسافات متساوية في جميع الاتجاهات ، ويتألف الرواق الجنوبي من عشرة صفوف متوالية من الأعمدة ، بينما يوجد في الجانب الغربي أربعة صفوف ، وفي الجانب الشمالي وجزء من الجانب الشرقي ثلاثة صفوف فقط ، والأعمدة نفسها غير متماثلة الحجم ؛ فأعمدة القسم الجنوبي حيث يوجد قبر النبي #61554; - والذي يعد من أكثر الأماكن قداسة - أكبر حجمًا من الأعمدة الأخرى في المسجد ، ويبلغ قطر الواحد منها قدمين ونصف تقريبًا ، وليس في أعلاه أية حلية ، وتيجان الأعمدة تشبه التي في مسجد مكة من حيث التنوع والذوق البسيط ( غير السليم ) فلا تجد تاجين متماثلين ، وجميع الأعمدة منحوتة من الحجر ، ومطلية باللون الأبيض ، لذا يصعب معرفة نوع الحجر الذي صنعت منه . وقد زخرفت برسومات لأزهار وأوراق أشجار متشابكة ( زخرفة الأرابسك ) بأسلوب خشن مبهرج بارتفاع ستة أقدام ، وربما تكون الزخرفة تعويضًا عن عدم وجود حليات مثلثة في أعلاها ، وكسيت الأعمدة الأقرب إلى الجزء الجنوبي المسمى بالروضة برخام مصقول لامع أخضر لازوردي إلى منتصفها ، وزخرفت برسوم أوراق شجر متشابكة ( زخرفة الأرابسك ) متعددة الألوان ، ويبدو أن الرخام الذي كسيت به هذه الأعمدة مصنوع في فينيسيا ، وهو النوع الذي تكسى به المرافئ في ألمانيا وسويسرا .
ويتكون سقف رواق الأعمدة من عدة قباب صغيرة ، طلي سطحها الخارجي باللون الأبيض - مثل التي في مكة - وجدرانها الداخلية بالأبيض أيضًا - عدا جزء من الركن الجنوبي والجنوبي الشرقي ، حيث غلفت بكتل من الرخام إلى ارتفاع يقارب قمتها ، وعلى امتداد الجدار صفوف متوالية من النقوش المذهبة فوق الرخام الأبيض ، لها بريق مؤثر ، ويغطي أرضية الرواق في جهاته الغربية والشرقية وبعض الشمالية رصيف خشن ، أما الجزء الباقي من الجهة الشمالية فغير مرصوف ، بل مغطى بالرمال ، وكذلك الأمر في الساحة المفتوحة كلها ، أما الجزء الجنوبي فقد أسرف مجدد المسجد في زخرفته - وكما أسلفت - حيث رصفت الأرضية على امتداد الرواق بالرخام الرائع ، وكسيت الأرضية القريبة من قبر سيدنا محمد #61554; بفسيفساء صنعت بإتقان متناه ، وهي أفضل فسيفساء يراه المرء في الشرق ، ويدخل الضوء من نوافذ كبيرة عالية في الجدار الجنوبي ، لها ألواح زجاجية واسعة ( لم أر مثلها في الحجاز ) وبعض الألواح الزجاجية ملونة وجميلة( ) ، تنتشر على الجدران الأخرى نوافذ أصغر حجمًا ، لكنها أكبر من الألواح الزجاجية .
ويوجد القبر الشهير قرب الركن الجنوبي الشرقي ، وبينه وبين جدار المسجد مسافة واضحة ؛ حيث يفصله عن الجدار الجنوبي خمسة وعشرون قدمًا ، وعن الجدار الشرقي خمسة عشر قدمًا ، ويمنع السياج المحيط بالمقصورة الزوار من أن يقتربوا من القبر أكثر من اللازم ، وهو على شكل مربع غير منتظم ، طول ضلعه حوالي عشرين خطوة ، وتقع المقصورة وسط الرواق ، وتتضمن عددًا من أعمدته ، وقد صنع السياج من الحديد ، وطلي باللون الأخضر ، ويبلغ ارتفاعه حوالي ثلثي ارتفاع الأعمدة ، ويملأ هذا السياج المسافة بين الأعمدة ، ولكنه يترك الثلث العلوي فارغًا ومفتوحًا بالكامل .
والسياج متقن الصنع ، يشبه صناعة الحلي ، تتشابك فيه نقوش مفرغة من البرونز الأصفر يحسبها العامة من الذهب ، وتكوينها متشابك وضيق جدًا بحيث لا يمكن رؤية ما بالداخل إلا من خلال فتحات عدة ، مساحة الواحدة ستة بوصات مربعة تقريبًا ، تتوزع على الجوانب الأربعة من السياج ، وترتفع عن الأرض حوالي خمسة أقدام .
وفي الجانب الجنوبي توجد فتحتان رئيسيتان يطل منهما الزوار ، وقد طلي السياج فوقهما بطبقة رقيقة من الفضة ، ونقش حولهما عبارة لا إله إلا الله الحق المبين ، وفي السياج أربعة أبواب تفضي إلى الداخل ( داخل المقصورة ) ثلاثة منها مغلقة دائمًا ، وواحد يفتح كل صباح ومساء ليدخل الأغوات الذين ينظفون الأرضية ، ويوقدون المصابيح ، ولكل باب اسم خاص به ، وهي : باب النبي ، باب إبراهيم ، باب التوبة ، باب بستان فاطمة ، ودخول المقصورة شرف عظيم يمنح مجانًا لأصحاب الرتب العالية ؛ كالباشوات ورؤساء قوافل الحجاج ، بينما يشتريه بقية الناس من الأغوات بمبلغ يتراوح بين اثني عشر وخمسة عشر دولارًا ، توزع عليهم على شكل هدايا ، ولكن قلما ينتفع الزوار بهذا الامتياز ؛ لأنهم يعرفون أنهم عندما يدخلون المقصورة لا يرون أكثر مما يرونه من خلال شبابيكها المفتوحة دائمًا ، وبالنسبة لي لم أرغب في لفت الانتباه مقابل إشباع فضولي .
ويبدو من الداخل ستار يحيط بالمساحة الداخلية ، ويكاد يستوعبها بالكامل ، فليس بينه وبين السياج إلا ممر ضيق لا يزيد عرضه عن خطوات قليلة ، ويرتفع الستار مثل ارتفاع السياج ، غير أنني لم أتبين عندما نظرت من تحت هل الستار مفتوح من أعلى - مثل السياج - أم لا .
وحسبما يؤكد الأغوات فثمة غطاء من نوعية الستار ذاته مصنوع من حرير موشى ثمين متعدد الألوان ، وفيه زخارف من فضة على شكل أزهار وأوراق أشجار متشابكة ، وشريط من حروف ذهبية يمتد عبر نصف الستار مماثل للشريط الموجود على غطاء الكعبة ، ولا يسمح لأي شخص بالدخول إلى الحجرة الشريفة بعد هذا الستار عدا كبار الأغوات الذين يعتنون به ويضعون الستار الجديد المرسل من القسطنطينية في الليل ، ويبدَّل الستار كلما تلف أو ارتقى العرش سلطان جديد ، ويُرسل الستار القديم إلى القسطنطينية حيث تغطى به قبور السلاطين والأمراء .
وبناء على ما ذكر أحد مؤرخي المدينة فإن الستار يغطي مبنى مربعًا من الحجارة السوداء ، له عمودان من الجر ، فيه قبر محمد #61554; وأقدم صاحبين له اللذين خلفاه مباشرة وهما أبو بكر وعمر ، وكما سمعت فقد غطي القران أيضًا بأقمشة ثمينة تشبه الغطاء الموضوع على شكل منصة فوق مقام إبراهيم بمسجد مكة .
وفي هذا المكان ( الحجرة النبوية ) تودع أوعية مليئة بالجواهر والأقراط والأساور والقلادات وغير ذلك من الحلي ترسل من جميع أنحاء الإمبراطورية ( العثمانية ) غير أن القسم الأكبر منها يجلبه كبار الحجاج حينما يزورون المدينة ، ولا شك أن هذه النفائس في مجموعها لها قيمة ضخمة ، لكنها لا تبلغ أن توصف بأنها ( لا تقدر بثمن ) كما يتخيل بعضهم ، و كسيت الأرض فيما بين السياج والستائر بقطع من الفسيفساء الرخامية الملونة ، وتتدلى المصابيح الزجاجية حول الستائر وتوقد في المساء لتنير طوال الليل .
وتغطي قبة عالية متقنة المساحة المسيجة والمسماة ( الحجرة ) كلها ، وهي أعلى بقليل من قباب سقف الأروقة ، ترى من مسافة بعيدة خارج المدينة ، ويردد الزوار أدعية خاصة عند رؤيتها ، وهي مكسوة من الخارج بطبقة من الرصاص ، وتعلوها كرة وهلال كبيران يتلألئان بالذهب .وداخل السياج الذي ينحرف عن الشكل المربع قليلاً قرب الستائر ولكن بشكل منفصل عنها ، يوجد قبر ستنا فاطمة ابنة محمد #61554; وزوجة علي رضي الله عنه ، ويتكون من منصة على شكل مكعب مغطاة بقماش ثمين أسود غير مزخرف ، وثمة خلاف حول وجود جثمانها في هذا المكان أو في البقيع خارج المدينة ، وإلى أن يحسم هذا الخلاف ما زال المرشدون يأخذون الزوار إلى كلا الموقعين ، ويستوفون منهم أجرة مضاعفة .
وعلى الحائط الشرقي للمسجد مقابل القبر تقريبًا شباك صغير في المكان الذي يروى أن سيدنا جبريل هبط فيه من السماء مرارًا بالوحي على سيدنا محمد #61554; ، ويسمى هذا المكان مهبط جبريل .
وشمالي المحيط المُسَيَّج قرب قبر فاطمة توجد منصة ترتفع عن الأرض حوالي أربعة أقدام ، وضلعها خمس عشرة خطوة تسمى ( الصُّفَّة ) يجلس عليها سدنة المسجد من الأغوات ، وتعقد فيها مجالس علماء المدينة واجتماعاتهم الرئيسية .
ويمتد حاجز خشبي يرتفع ثمانية أقدام تقريبًا غني برسومات الأشجار المتشابكة ( الأرابيسك ) من الجانب الغربي للحجرة ، وعلى طول جدار المسجد على مسافة خمسة وعشرين قدمًا منه ، وينتهي قرب باب السلام ، أي أنه يبدأ من الحجرة ، ويمتد بعرض المسجد تقريبًا ، ولهذا الحاجز الخشبي عدة أبواب خشبية ، وقد أقيم ليفصل منطقة الروضة عن الممر العادي للزوار الذي يقودهم من باب السلام إلى الحجرة ، وبعد هذا الجزء من الرواق الجنوبي شمالي الحاجز الخشبي ، ثاني مكان مقدس بعد القبر ، ويسمى الروضة ، أي حديقة المؤمنين ، وسماه سيدنا محمد #61554; بذلك حين قال : ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ).
وقريبًا من هذا الحاجز وفي منتصف المسافة بين الحجرة والحائط الغربي للمسجد يقوم المنبر ، والروضة هي المسافة ما بين المنبر والحجرة فقط ، وإن كانت تطلق أحيانًا على الرواق الجنوبي كله ، لذلك زينت الأعمدة الموجودة فيها إلى ارتفاع خمسة أو ستة أقدام برسومات الأشجار المتشابكة و ( الأرابسك ).
ويوجد محرابان يحددان وجهة الناس في الصلاة نحو الكعبة بدقة ، وهما على جانبي المنبر ، وهذه الثلاثة ؛ المحرابان والمنبر من روائع الصناعة اليدوية الفائقة الدقة للفسيفساء ، أحدهما هدية من السلطان قايتباي من مصر ، والآخر هدية من السلطان سليمان بن سليم من القسطنطينية ، ويغطي أرضية الروضة سجاد بديع أُرسل من القسطنطينية ، وكما هو الحال في مكة يُعد هذا السجاد أثمن ما رأيته في المسجد ، وتبلغ قيمته ألف جنيه ، أما القسم العلوي من الرواق فقد غطي بالحصير .
ويحتشد المصلون فوق سجاد الروضة ، وهو الموقع المفضل عندهم ، ولا توجد قواعد رسمية لأماكن الجلوس ، ويمكن للمرء أن يجلس حيثما يشاء ، ولكن من المتعارف عليه أن الصف الأول الأقرب من الحاجز ، خاصة الأماكن القريبة من الإمام تخصص لعلية القوم ، ولا يقحم نفسه فيها من ليس منهم .
وللروضة مدخل قريب من باب السلام بديع المظهر ، تتلألأ الألوان على جوانبه ، والأعمدة مطلية بطبقة زجاجية والسجاد جميل ، والنقوش على الحائط موشاة بماء الذهب ، وسياج الحجرة يتلألأ من الخلف .

وشعائر زيارة المسجد النبوي هي كما يلي :
على الحاج ( الزائر ) أن يُطَهِّر نفسه قبل دخول البلدة بالاغتسال الكامل ، وإذا استطاع أن يعطر نفسه بعطور غالية ، وعندما يرى القبة التي تعلو قبر النبي #61554; يرفع صوته ببعض الأدعية ، وعندما يعتزم زيارة المسجد يقوده الدليل ويسمى المُزَوِّر من البوابة المسماة باب السلام ، ويجتاز العتبة بقدمه اليمنى أولاً ، وهذا عرف مطبق في دخول جميع المساجد ، ويؤكَّد عليه بشكل خاص هنا ، ويتقدم الحاج إلى الروضة وهو يتلو بعض الأدعية ويصلي ركعتين ( أربع سجدات ) يقرأ فيهما سورتين قصيرتين هما ( قل يا أيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) ، ويمر بعدها من أحد الأبواب الصغيرة لحاجز الروضة ، ويسير بتمهل نحو سياج الحجرة ، حيث يأخذ موضعه قبالة الشباك الغربي للجانب الجنوبي من الحجرة ، ويوجه دعواته إلى سيدنا محمد #61554; ويداه مرفوعتان قليلاً ( في وضع الدعاء المعتاد ) ويقول : ( سلام عليك يا محمد ، سلام عليك يا رسول الله ) ويذكر قرابة عشرين من ألقابه الرفيعة المختلفة ، ويسبق كل لقب عبارة : سلام عليك يا ....
وإذا كان الحاج يؤدي حجه نيابة عن شخص آخر فعليه أن يذكر اسم من ينوب عنه .
ويستحسن للزائر أن يقف دقائق معدودة بعد تلك الدعوات مسندًا رأسه بإحكام إلى الشباك في تبتل صامت ، ثم يرجع للخلف ويصلي ركعتين ( أربع سجدات ) في الرواق المجاور قبالة السياج ، ثم يتقدم إلى الشباك الثاني الذي يقال إنه يواجه قبر أبي بكر ، ويدعو بدعوات مماثلة لدعواته عند شباك النبي #61554; ، وتكون الدعوات هذه المرة لأبي بكر ، ثم يرجع الزائر إلى الرواق ويصلي صلاة أخرى قصيرة ، ثم يقوم إلى الشباك الثالث في الجانب نفسه ، ويقف في الموقع الذي يواجه قبر عمر ، ويردد دعوات مماثلة ، وعندما ينتهي من هذه الشعائر يدور حول الركن الجنوبي الشرقي من الحجرة ليقف أمام قبر ستنا فاطمة ، ثم يؤدي صلاة من ركعتين ويوجه الابتهالات إلى فاطمة الزهراء ، ويعود الزائر بعدها إلى الروضة ، ويتلو دعوات موجهة للإله ، ويغادر المسجد ، وبذلك تنتهي شعائر الزيارة التي تستغرق عشرين دقيقة على الأكثر .
ولقد كلفتني ( قول بركهارت ) الزيارة بأكملها حوالي خمسة عشر قرشًا ، كما أعطيت مرشدي ( المزور ) عشرة قروش ، وربما كان من الممكن أن أدفع نصف هذا المبلغ وحسب .
وكما ذكرت من قبل إن جوانب المسجد الشمالية والشرقية وجزءًا من الجانب الغربي ليست جيدة البناء - على الإطلاق - مثل الجانب الجنوبي الذي توجد فيه الحجرة والروضة ، فالأعمدة في تلك الجوانب أقل سمكًا ، ورسومها أقل إتقانًا ، ورصيف الأرضية خشن ، والجدران مطلية باللون الأبيض ، وليست فيها أية زخرفة .
والجانب الشمالي بعامة تحت الصيانة حاليًا ، وقد أزيل رصيف الأرضية القديم لوضع رصف جديد أفضل منه .
والساحة المكشوفة الواقعة بين الأروقة الأربعة غير مرصوفة مغطاة بالرمل والحصى ، وفي وسطها مبنى صغير له سقف عقدي تحفظ فيه مصابيح المسجد ، وبقربه ساحة صغيرة مسورة بسياج خشبي قليل الارتفاع ، وبداخلها بعض أشجار النخيل التي يحترمها المسلمون ، ويقال : إن فاطمة زرعتها بيدها ، وتوجد شجرة أخرى لم يبق فيها إلا جذعها ، وأظنها شجرة نبق أو لوتس ، وبجانبها بئر يقال إنه بئر النبي #61554; مياهه مالحة ، وقد يكون هذا السبب في عدم اكتسابه أية قداسة ، ويذكر السمهودي أنه يسمى ( الشامي ) .
وفي المساء توقد المصابيح على امتداد الأروقة ، ولكنها تكثر في الرواق الجنوبي ، وهي تتدلى من أعمدة حديدية تمتد من عمود ( حجري ) إلى آخر ، ومن مهام اغوات المسجد وخدمه إيقادها ، ويمكن لزوار المسجد أن يساعدوا في هذه المهمة إذا دفعوا تبرعات صغيرة للخدم ، ويتلهف كثير من الحجاج الأجانب على هذه المهمة ، ويعتقدون أنها تجلب الثواب ، ويشجعهم الاغوات على أدائها ، ولكن لا يسمح للزوار إطلاقًا بإيقاد المصابيح التي في داخل الحجرة ، وهناك شموع ضخمة على جانبي المنبر وكل من المحرابين ، ارتفاعها اثنا عشر قدمًا ، وسمكها بسمك جسم رجل ، ويستخدم سلم يوضع بجوارها لإيقادها ، وتجلب هذه الشموع من القسطنطينية ، كما أن زوجة محمد علي باشا التي تزور المدينة حاليًا أحضرت معها عددًا من هذه الشموع الضخمة ، وقد نُقِلَت من ينبع إلى المدينة بصعوبة .
وللمسجد أربعة أبواب هي :
1 - باب السلام ، وكان يسمى باب مروان كما ذكر السمهودي ،ويقع في الركن الجنوبي الغربي ، وهو الباب الرئيس الذي ينبغي على الحاج أن يدخل منه في زيارته الأولى للمسجد ، وهو بوابة جميلة يعلوها عقد أفضل بكثير من أبواب المسجد الكبير بمكة رغم أنه أصغر من بعضها ، وهو أجمل من أي باب مسجد رأيته في الشرق ، وجوانبه مرصوفة بالرخام والبلاط اللامع ذي السطح الزجاجي ( السيراميك ) المتعدد الألوان ، وبها رسومات بارزة مذهبة ، وكذلك فوق العقد وعلى جوانبه ، الأمر الذي يكسبه مظهرًا شديد التألق ، ومقابل هذه البوابة توجد نافورة صغيرة تملأ بمياه القناة ، يتوضأ فيها الناس عادة إذا لم يتوضأوا داخل المسجد نفسه حيث توجد جرار مخصصة لذلك .
2 - باب الرحمة : وكان يسمى باب عاتكة ، ويقع في الجدار الغربي ، وهو الذي تدخل منه نعوش الموتى للصلاة عليهم .
3 - باب الجابر ، ويسمى أيضًا باب جبريل .
4 - باب النساء ، وهما في الجدار الشرقي للمسجد ، وهذا أقرب الأبواب إلى قبر ستنا فاطمة ، أما الباب الآخر - باب جبريل - فهو أبعد قليلاً عن القبور .
وتوجد عدة درجات تصل بين أبواب المسجد والشوارع التي تجاورها ؛ لأن مستوى المسجد أعلى بقليل من مستوى الشوارع ، عكس ما هو الحال عليه في مكة ، وتغلق الأبواب دائمًا بعد غروب الشمس بثلاث ساعات تقريبًا ، ولها مصارع قابلة للطي ، وتترس من الخارج بالحديد ، ويعاد فتحها قبل الفجر بساعة تقريبًا ، لكن يستطيع من يريد أن يقوم الليل كله مصليًا في المسجد أن يحصل على إذن بذلك من الأغا المكلف بالحراسة ، والذي يبيت قرب الحجرة ، وفي شهر رمضان يظل المسجد مفتوحًا طوال الليل .
وعلى الجانبين الشمالي الغربي والشمالي عدد من الأبواب الصغيرة تؤدي إلى المسجد ، وكانت تخص المدارس العامة الملحقة بالمسجد ، ولكن لم يعد لها شأن حاليًا ، ويجلس المدرسون في هذا الجانب وحولهم الصبيان في حلقات يعلمونهم مبادئ القراءة والكتابة .
ويقوم ما بين أربعين إلى خمسين خصيًا بحراسة المسجد وغسل الحجرة وبقية أجزاء المبنى وإضاءة المصابيح ونحو ذلك من الرعاية ، ولهم جمعية تشبه التي لأغوات بيت الله في مكة ، غير أنهم هنا أكثر أهمية ، فملابسهم أكثر ثراء ويلتزمون بزي واحد ، فيرتدون عادة شالات من الكشمير المميز ، وأثوابًا من أفخر أنواع الحرير الهندي ، وينم مظهر أحدهم على أنه شخص فائق الأهمية ، ويهرع الجميع إلى تقبيل أيديهم حين يمرون بالسوق ، ولهم نفوذ كبير وتأثير في شؤون البلدة ، ويحصلون على رواتب سنوية ضخمة تُرسل إليهم من القسطنطينية مع قافلة الحج السورية ، ويستفيدون من التبرعات التي تقدم للمسجد ، ويتوقعون من كل حاج ثري أن يقدم لهم هدية ، إضافة إلى ما يأخذونه من زوار الحجرة ، ويعيش الأغوات جميعهم في أفضل أحياء المدينة شرقي المسجد ، ويقال إن أثاث بيوتهم أفخم من أي أثاث آخر في المدينة ، والبالغون منهم جميعًا متزوجون من إماء سوداوات أو حبشيات .
وهؤلاء الأغوات على عكس الأغوات السود في أوربا أجسامهم نحيلة ، وملامحهم شديدة القسوة ، لا يرى المرء في وجوههم إلا العظام ، وأكفهم تشبه كفوف الهياكل العظمية ، ومظهرهم بأكمله يبعث على الازدراء ، وهم يخفون نحول أجسامهم بارتداء ثياب سميكة ، غير أن العظام البارزة في وجوههم شديدة الوضوح ، يدركها المرء لأول نظرة ، ورغم ذلك فإن أصواتهم لا تختلف إلا قليلاً عن أصوات الرجال العاديين ، وقد لا تختلف على الإطلاق ، وهي أبعد ما تكون عن النبرة الأنثوية الرقيقة ، كتلك التي تثير الإعجاب في المغنين الإيطاليين ، ويُلقب كبير الأغوات بشيخ الحرم ، وهو في الوقت نفسه رئيس المسجد والشخصية الأولى في البلدة ، وأعلى مرتبة بكثير من ( الآغا ) كبير أغوات مكة ، ويرسل في العادة من القسطنطينية ، ويكون من حاشية السيد الأعلى ( السلطان ) الذي يرسله إلى هنا على سبيل العقوبة أو النفي( ) ، مثلما يعاقب الباشوات بإرسالهم إلى جدة ، وشيخ الحرم الحالي هو كسلر أغاسي ، وكان مشرفًا على نساء السلطان سليم ، ومنصبه من أهم المناصب في بلاد السلطان ، ولا أدري هل مكانته العالية الآن بسبب وظيفته السابقة ؟ فكثيرًا ما يحتفظ علية القوم في الشرق برتبتهم مدى الحياة ، حتى ولو عزلوا من مناصبهم ، أو بسبب رفعة منصبه الحالي ( شيخ الحرم ) ، والمهم أنه يتقدم على طوسون باشا في جميع المناسبات ، وطوسون باشا هو والي جدة وتوابعها الثلاث ( مكة والمدينة والطائف ) ، فطوسون باشا يقبل يده كلما التقيا ، وقد رأيته يفعل ذلك في المسجد ، ولشيخ الحرم حاشية تماثل في تركيبها حاشية الباشوات ، وإن كانت أقل عددًا بكثير ، وقد وصف ( دوسون ) في كتاباته ملابسه بدقة كبيرة ، وتتألف من سترة طويلة من الفراء أو أطرافها مزركشة بالفراء ، فوق ثوب موشى من الحريـر الفاخـــر مفصَّـــل علــى الطــراز المعــروف في
العاصمة ، وخنجر مرصع بالماس مغروس في نطاقه ، وقبعة صغيرة من القماش
( قاوق ) مشدودة بشريط إلى أسفل الذقن تعلو رأسه ، ويملك الشيخ الحالي اثني عشر حصانًا ، وعندما يخرج يتقدمه عدد من الخدم أو الفراشين المسلحين بهراوات ضخمة .
وقد احترم الوهابيون شخصية شيخ الحرم ، وسمح لهم ( الأمير )( ) أن ينسحبوا إلى ينبع مصطحبين زوجاتهم وأمتعتهم وممتلكاتهم النفيسة ، ولكنه رفض أن يحضر شيخ حرم آخر ، فانتخب الخصيان وقتها واحدًا منهم ليرأسهم ، وبعدها بثماني سنوات أرسلت القسطنطينية رئيسهم الحالي ، غير أن نفوذه وتدخله في شؤون المدينة قد تقلص ، وأصبح ظلاً لما كان عليه صاحب هذا المنصب من قبل .
ولو أن شخصًا ما خاطب الخصي بكلمة خصي فإن ذلك يعد إهانة كبيرة ، فلقبهم المعتاد هو ( الآغا ) ويخاطب كبيرهم بلقب ( صاحب السمو ) أو ( سيادتكم ) مثل الباشا أو شريف مكة .
وإضافة إلى الخصيان يُعَدُّ من خدم المسجد بعض سكان المدينة ، ويسمون الفراشين ، وهذه التسمية تدل على أن عملهم هو المحافظة على نظافة المسجد وفرش بسطه على الأرض ، ويقوم بعضهم بإضاءة المصابيح وتنظيف الأرض مع الخصيان ، وبعضهم الآخر تدر عليهم هذه الوظيفة دخلاً مجانيًا دون أن يقوموا بأي عمل ، وينتمي إلى هذا النوع عدد من كبار أهل المدينة ، ولا أعرف كيف يحصلون على هذه الوظيفة ، وأحسب أنهم يشترونها من شيخ الحرم ، حيث تسجل أسماء الفراشين في قائمة ترسل إلى القسطنطينية ، ويشترك المسجلون جميعًا في المبالغ التي تتلقاها المدينة من العاصمة ومن جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية ، ويُخصص جزء منها للفراشين ، ويبدو أن هذا المنصب وراثي ، وعلى الأقل يُنْقَل من الأب إلى ابنه ، وعدد الفراشين ثابت على خمسة آلاف فرد ، ولزيادته - كما ذكر دوسو - يلجؤون إلى حيلة ؛ فيقسمون المنصب الواحد إلى حصتين أو ثلاثة وحتى الثمانية ، وتُمنح الحصة لفرد ما ، فيصبح عضوًا في المجموعة ، ولكن في مرتبة أدنى ، وكثير من هؤلاء الفراشين ليسو من سكان المدينة ، فقد مُنح هذا اللقب لعدد من كبار الحجاج المنتشرين في جميع أنحاء الإمبراطورية ، والذين يعتقدون أن هذا اللقب تكريم كبير لهم .
ويعمل كثير من الفراشين - إضافة إلى مهنتهم هذه - مرشدين أو مزورين ، ويرتلون الأدعية لغير الحاضرين ، وهذه مهنة تدر ربحًا وفيرًا جدًا ، فعندما يزور المدينة حجاج ذوو مكانة رفيعة يكون هؤلاء مرشديهم في زيارة الأماكن المقدسة ، فيتعرفون عليهم ، وعندما يرجع أولئك إلى ديارهم يعدون من التقوى أن يرسلوا إليهم مبلغًا من المال كل سنة ، ويلتزم هؤلاء بالدعاء لهم نيابة عنهم أمام الحجرة النبوية ، وتُجمع هذه المبالغ في كل قطر أو مدينة في الأناضول القسم الأوربي من الدولة العثمانية ، وتُلَفُّ بأوراق خاصة مختومة على كل منها الاسم والعنوان ، وترسل مع كاتب الصرة الذي يصاحب قافلة الحجاج ، ويكون مسؤولاً عن شؤونها المالية ، ويحتكر بعض الفراشين مقاطعات ومدنًا بأكملها ، وكل من يأتي منها إلى المدينة يرسله مواطنوه إليهم ، كما أن لغيرهم مندوبين منتشرين في جميع أنحاء الإمبراطورية ، ويحصلون على أرباح كبيرة تشبه الأرباح التي يحصل عليها قساوسة الكنيسة الكاثوليكية مقابل قراءة القداس ، وسمعت أن لبعض كبار الفراشين ما بين أربعمائة إلى خمسمائة مندوب منتشرين في أنحاء الدولة العثمانية ، يتقاضون رواتب سنوية ، وأقل راتب يبلغ زيخين من زيخات البندقية ، وعدد الفراشين والمزورين كبير جدًا ، ومهماتهم سهلة جدًا ، حتى إنهم يُعَدُّون طبقة عاطلة إلى حد كبير .
وتزور النساء الحاجات المسجد في مكة يوميًا ، ولهن مكان خاص فيه ، أما في المدينة فالنساء القادمات من الآفاق يزرن المسجد في الليل بعد صلاة العشاء .
وكما هو الحال في مكة فثمة عدد من الخطباء والأئمة والمؤذنين والعلماء يعملون في المسجد ، وسمعت أن بعض المحاضرات العامة تلقى في مدرسة الحميدية .
وللحرم المدني كما للحرم المكي الكثير من الممتلكات والمخصصات السنوية من جميع أنحاء الإمبراطورية ، ويوزع الدخل السنوي للمسجد على العلماء والأغوات والفراشين ، وتنفق المصاريف اليومية في الإضاءة والصيانة لتبرير إنفاق الدخل كله .
ويختنق المسجد بالمنازل الخاصة التي تحيط به من كل جانب ؛ كما هو الحال في جميع المباني العامة في الشرق ؛ حيث لا يفصلها عن المسجد في بعض الحواري إلا شارع واحد ، وفي بعضها الآخر تلتصق البيوت بجدران المسجد حتى تغطيه .وترتفع ثلاث أو خمس ، نسيت العدد الدقيق ، مآذن فوق جوانب مختلفة من المبنى ، ويقال إن إحداها مبنية فوق المكان الذي كان يؤذن عليه بلال مؤذن رسول الله #61554; وأقرب أصحابه إليه داعيًا المؤمنين للصلاة .
كما أسلفت ؛ تحيط البساتين والمزارع بالمدينة من جهاتها الثلاثة ، وتمتد شرقًا وجنوبًا من ستة إلى ثمانية أميال ، وتتكون من غابات نخيل وحقول قمح وشعير . ويحيط بالحقول عادة أسوار طينية ، ويكون بداخلها مساكن صغيرة للفلاحين ، والبيوت القريبة من المدينة متقنة البناء غالبًا ، تضم بهوًا ذا أعمدة عند المدخل ، وحجرة جلوس يعلوها عقد جوار البهو وخزان مكسو بالحجارة أمامها ، وهذه بيوت صيفية لكثير من عائلات المدينة ؛ يقضون فيها شهرين من أشد أوقات السنة حرارة ، وأما بساتين النخيل فقلما تسور ، ومعظمها محاط بسور قصير طيني صنعته الأمطار والسيول ، وأراضي البساتين منخفضة جدًا ؛ حيث تؤخذ منها التربة وتكوم خلف الأسوار ، وتصبح الأراضي المخصصة للزراعة منخفضًا يشبه الحفرة ذات الجوانب العمودية ، عمقها عشرة إلى اثني عشر قدمًا تحت السطح السهلي ، والغرض من ذلك الوصول إلى طبقات أفضل من التربة ، وقد أدرك السكان بالتجربة والخبرة المكتسبة أن الطبقة العليا تكون مالحة وأقل ملائمة للزراعة من الطبقة السفلى ، ولا تستخدم في الزراعة هنا أية خبرات فنية ؛ فكثير من الأراضي فيها مساحات مهدورة ، حتى الأراضي التي تنظم على شكل حقول لا يكون تنظيمها اقتصاديًا ؛ فثمة بقع عارية تمامًا ، وملوحة التربة تحول دون انتاش البذور ، ويقال إن الأراضي القريبة من قباء قبلها وبعدها جنوبًا وشرقًا جيدة التربة ، ليس فيها أملاح ؛ لذلك فإن قيمتها تفوق قيمة الأراضي الأخرى المجاورة للمدينة ، وقد رأيت هذه الأراضي بعد سقوط الأمطار ، ووجدت قشرة ملحية تغطيها لعدة أيام ، بعضها صنعته المياه المتبخرة ، وبعضها جاء من التربة نفسها ، وخاصة في الأماكن المرتفعة التي لا يمكث فيها الماء ، ويملك أهالي المدينة معظم المزارع والبساتين ، وملكية الأراضي على نوعين : ملك خاص ووقف ، ويكون الملك حيث تكون الأرض لفرد بذاته ، وأما الوقف فتكون الأرض فيه للمسجد ( النبوي ) أو لإحدى المدارس أو المؤسسات الدينية ، وفي هذه الحالة تؤجر إلى أفراد من أهالي المدينة لمدد طويلة جدًا كي يزرعوها ، ويقوم هؤلاء غالبًا بتأجيرها لمدد أقصر للمزارعين ، ولا يدفع أحد ضرائب على الأرض ، فليس هنا ضرائب من هذا النوع .
والمحصول الرئيسي للحقول حول المدينة هو القمح والشعير وبعض البرسيم والفواكه ، والمحصول الأهم هو التمر .
وينبت الشعير بكميات أكبر بكثير من القمح ، ويعد خبز الشعير أحد أصناف الغذاء الرئيسية للأهالي الفقراء ، ويحصد الشعير في منتصف مارس ، والمحصول قليل عادة ، ولكنه ذو جودة عالية ، ويباع في سوق المدينة بسعر يزيد على سعر الشعير المصري بخمسة عشر في المائة تقريبًا ، وتترك الحقول بعد الحصاد إلى العام التالي دون استثمار رغم وجود مياه كامنة في الآبار لريها مرة أخرى ، فالتربة أفقر من أن تتحمل زراعة أخرى دون إنهاكها كلية ، ولا يزرع الشوفان هنا ولا في أي مكان آخر في الحجاز ، وتتجمع أشجار الفواكه قربة قرية قباء ، ويقال إن الرمان والعنب فيها ممتازان ولا سيما الرمان ، كما يوجد بعض الخوخ والموز والقليل من البطيخ وخضروات كالسبانخ واللفت والكراث والبصل والجزر والبازلياء ، ولكن بكميات قليلة جدًا ، ويشيع في سهل المدينة وفي الجبال المحيطة بها شجر النبق الذي ينتج اللوتس ، وتجلب كميات ضخمة من ثماره إلى السوق في مارس ؛ حيث يأخذه الفقراء على أنه صنف رئيسي من الطعام ، غير أن المحصول الرئيسي للمدينة هو التمر ، ويشتهر بجودته العالية في الجزيرة العربية كلها ، وتوجد أشجار النخل إما في حقول مسورة يتم ريها مع بذور المزروعات الأخرى ، وإما في سهل مفتوح فتروى بمياه الأمطار وحسب .
وثمار النوع الآخر أغلى ، ولكنه أقل توفرًا ، وتنمو أعداد برية من هذا النخل في السهل ، ورغم ذلك فإن لكل نخلة منها مالكًا ، وشجرة النخل هنا أصغر حجمًا من شجرة النخل المصرية التي تغذيها التربة الخصبة ومياه النيل ، ولكن ثمرتها أكثر حلاوة من التمر المصري ، ورائحتها أطيب منه .
وقد ذكر عدد من الرحالة من قبل الاستخدامات الواسعة لكل جزء من أجزاء النخلة ، الأمر الذي يجعل مكانتها عند البدوي المستقر تفوق مكانة الجمل عند البدوي الأعرابي ( المتنقل ) .
يستفيد أهل المدينة من أوراق النخلة ومن لحائها الخارجي والداخلي للجذع ، ومن المادة اللحمية التي تتشكل عند منبت الأغصان في الجذع ، يضاف إلى ذلك أنهم يستفيدون من نواة التمر غذاء لماشيتهم ؛ حيث ينقعونها بالماء مدة يومين فتصبح طرية ، ويطعمونها لجمالهم وأبقارهم وأغنامهم بدلاً من الشعير ، ويقال إن قيمتها الغذائية أعلى بكثير من الشعير ، وفي المدينة حوانيت لا تبيع إلا النوى الذي يجمعه المدقعون ( الشحاذون ) من الشوارع الرئيسية ، ويطحن العرب في إقليم نجد النوى للغرض نفسه ؛ تغذية الماشية ، بينما لا يطحنه الحجازيون ، وفي المدينة أصناف عديدة من التمر ، وفي كل واد مثمر في هذه البلاد ولكل مكان أصنافه الخاصة التي لا تنمو في غيره ، وسمعت أن أكثر من مائة صنف من التمر تنمو في المدينة وضواحيها ، ويذكر مؤلف وصف المدينة مائة وثلاثين صنفًا ، وأكثر الأصناف شيوعًا وأرخصها ثمنًا ( الجبلي ) وأعتقد أنه أكثرها في الحجاز كله ، والحلوة ، وهي ثمرة صغيرة جدًا لا يزيد حجمها عن حجم ثمرة التوت الأرضي ، واسمها مأخوذ من حلاوتها الفائقة التي لا تقل عن حلاوة أفضل ثمار التين التي تزرع في سميرنه والتي تشبهها في ظهور قشرة سكرية عليها عندما تجف .
ويعد ( البرني ) أكثر الأصناف فائدة ، وهو بالتأكيد أسهلها هضمًا .
والجبلي أندر الأصناف ، يبلغ طول ثمرته ثلاثة بوصات ( 10 سم تقريبًا ) ، وعرضها بوصة واحدة تقريبًا ، ومذاقها طيب جدًا ، وإن لم يكن في حلاوة( الحلوة ) ، ويبدو أن أشجارها نادرة ، فلا يوجد منها سوى مائة شجرة على الأكثر ، وهي أقل محصولاً من أي نوع آخر من النخل ، ولا ينمو هذا إلا في المدينة وغابات ينبع النخل .
ويباع كيلو البرني بعشرين باره وفيه مائة وعشرون تمرة تقريبًا ، بينما تباع ثمرات قليلة من الجبلي بهذا المبلغ ، ويشتد طلب الحجاج عليه عادة ليحملوه هدية ثمينة من مدينة النبي #61554; لأصدقائهم في بلادهم ، وتصنع في المدينة صناديق صغيرة لهذا الغرض في كل منها حوالي مائة تمرة .
والتمر هو الغذاء الرئيسي الأول لفقراء المدينة ، ويترقب الناس موسم جنيه بلهفة وبهجة تشبه ما يشعر به مزارعوا جنوب أوربا في موسم جني العنب ، وإذا حدث وكان الموسم ضعيفًا - وكثيرًا ما يحدث ذلك - فالنخلة قلما تعطي بوفرة ثلاث أو أربع سنوات متوالية ، وقد يأتي الجراد على الثمار ، فإن الناس يتكدرون كما لو كانوا يتوقعون المجاعة .
وهناك صنف من تمر المدينة - لا أذكر اسمه - يظل أخضر اللون وجافًا رغم نضجه ، وصنف آخر لونه زعفراني دائمًا ، ينظم في خيوط ويباع في جميع أنحاء الحجاز باسم ( قلائد الشام ) وكثيرًا ما يرتديه الأطفال .
وتؤكل أولى ثمار التمر في بداية شهر يونيو/حزيران . وتسمى في هذه المرحلة من النضج ( الرطب ) ، لكن الموسم العام لجني التمر يكون في نهاية ذلك الشهر ، بينما يكون موسمه في مصر بعد ذلك بشهر ، ويعد العرب التمر للطعام بطرق عدة : الغلي باللبن/الحليب ، والقلي بالزبدة ، وتحويله إلى عجينة بغليه بالماء ، ثم يصب فوقه العسل ، ويقول العرب : إن ربة البيت الماهرة تقدم لزوجها طبقًا جديدًا من التمر كل يوم لمدة شهر كامل .
ومن الشجر الكثير الشيوع في الحدائق شجرة الأثل ، وهي نوع من شجر الطرفاء تزرع للاستفادة من خشبها الصلب ؛ حيث تصنع منه سروج الجمال وجميع مقابض الآنية التي تحتاج لمقابض قوية .
وقلما تكون أرض المزارع مستوية تمامًا ؛ فكثيرًا ما تقلع من أرضها أكوام من الحجارة ، والبقعة التي على طرفي المدينة الشمالي الغربي والغربي صخرية بأكملها تحبط أية محاولة لاستصلاحها .
والأرض الصالحة للزراعة هنا طينية يختلط بها غير قليل من الجير والرمال ، ولونها أبيض مشرب بالرمادي ، وتتكون في أماكن أخرى من تربة صفراء ومادة تشبه كثيرًا جذع الفخار ، وتباع عبوات منها قمعية الشكل( مثلثة ) طولها بوصة ونصف تقريبًا ، ومجففة في الشمس ، ومعلقة بقطع من قماش الزينة لزوار المدينة .
تكسو جميع المناطق الصخرية ، إضافة إلى الحافة السفلى لسلسلة الجبال الشرقية طبقة من الصخور البركانية لونها أسود بزرقة ، مسامية ذات مسامات ، ورغم ذلك فهي صقيلة وقاسية وغير لامعة ، وكثيرًا ما تحوي في مساماتها مواد بيضاء صغيرة بحجم رأس المسمار ، ولم أجدها متبلورة أبدًا .
والسهل أسود اللون تمامًا بسبب تلك الصخور والحجارة التي تنتشر فوقه ، ولم أصادف أية حمم بركانية رغم أن طبيعة الأرض تشير بقوة إلى وجود بركان قريب ، ولو أن حالتي الصحية جيدة لقمت ببعض الجولات القصيرة في المزارع الأبعد لاكتشاف أنواع المعادن في الأرض ، لكن إرهاقي الشديد في الأيام الأولى ، وانشغالي بوضع خريطة للمدينة وبجمع المعلومات من سكانها حال دون ذلك ، ولم أجد طوال إقامتي في المدينة وحتى عودتي إلى القاهرة ، ولا حتى في كتاب وصف المدينة الذي اشتريته من القاهرة ولم أجده في المدينة ومكة رغم بحثي عنه مَنْ سَجَّل وقوع زلازل وبراكين قرب المدينة في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي تقريبًا وبعد السؤال علمت من رجل من أهل المدينة يقيم في القاهرة أن موقع نهر الحمم البركانية ما زال ظاهرًا على بعد ساعة تقريبًا شرقي المدينة ، بعدها لم أحصل على أية معلومات تجعلني أفترض أنني قرب أشد الظواهر الطبيعية إثارة .
ووفق هذه الرواية ينبغي البحث عن آثار الحمم البركانية على بعد ساعة شرقي المدينة ، وعلى الأغلب فإن الحمم البركانية التي تغطي الضواحي القريبة من المدينة والسهل في غربيها ترجع إلى انفجارات قديمة للبركان نفسه ؛ إذ لم يذكر في أخبار هذا البركان شيء عن صخور تشكلت في نهر الحمم الذي أخرجه البركان ، رغم أن السهل الممتد لمسافة ثلاثة أميال من غرب المدينة إلى وادي العقيق مغطى كله بآثار البركان ، ولا أشك في أن براكين أخرى قامت في مناطق عدة على امتداد هذه السلسلة الجبلية الضخمة ، ويؤيد هذا التخمين وجود عدد من ينابيع المياه الدافئة عند كل محطة من محطات استراحة القوافل في الطريق إلى مكة .
وتدفعني فقرة وجدتها أسفل الصفحات إلى تسجيل الملاحظة التالية( ) : تبعًا لأوامر محمد #61554; الحازمة يُعَدُّ هذا الجزء من إقليم المدينة مقدسًا ، ويمتد في دائرة قطرها اثنا عشر ميلاً ، يحدها جبل عير جنوبًا ، وجبل ثور شمالاً ( وهو جبل صغير يقع خلف جبل أحد مباشرة ) ، ولا يجوز قتل إنسان فيها - عدا المجرمين والأعداء أو الكفار الذين يدنسون المنطقة ، أو في حالة الدفاع عن النفس - ، ولا يجوز الصيد أو قطع الأشجار ؛ فهو محرَّم ، ولكن هذا التحريم غير مطبق حاليًا ؛ حيث يحدث الصيد ، وتقطع الأشجار وتقع المشاجرات والمعارك الدامية داخل المدينة نفسها وبجوارها المباشر .
ورغم أنه لا يجوز دخول غير المسلمين من أبواب المدينة ، فقد حدث مرارًا أثناء مكوثي في المدينة ( وفي ينبع ) أن عسكر على بعد مرمى المدافع من المدينة يونانيون مسيحيون يعملون في جيش طوسون باشا ، ثم غادروا إلى مقر قيادة الباشا الموجود في القصيم آنئذ .

_________________
__________________

توكلنا على الله

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-03-2007, 09:49 PM
بنت المدينة بنت المدينة غير متواجد حالياً
مشرفة عامة
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
الدولة: المدينة المنورة
المشاركات: 11,062
افتراضي

ياناس عالمدينه وعلى نسيم المدينه وعلى فكره للاسف الشديد بيدخلو الكفار فيها بس بطريقه ملتويه يالله ايش حنسوي موضوعك مره حلو وشكرا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-04-2007, 05:34 PM
sami haroon sami haroon غير متواجد حالياً
عضو خطير جدا
 
تاريخ التسجيل: Apr 2005
الدولة: السعودية - جدة
المشاركات: 16,324
افتراضي

مشكور اخي وبارك الله فيك علي الموضوع القيم
__________________





رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-01-2008, 05:55 PM
تولين تولين غير متواجد حالياً
عضو مبتدئ
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 29
افتراضي

يعتيك العافيه

المدينه شيء تاني ..
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-10-2008, 06:30 PM
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
مــؤسـس المــوقــع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2003
الدولة: جدة
المشاركات: 4,278
افتراضي العنوان


والله زمان عن المواضيع التراثيه و التاريخية

موضوع جميل و غني بالمعلومات اخوي العزيز العرب أهلي

الله يعطيك العافية

__________________



كتبت وقد أيقنت يوم كتابتي بأن يدي تفنى ويبقى ماكتبته




رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-10-2008, 09:56 PM
كل الحب كل الحب غير متواجد حالياً
حبرا كان هنا و مضى
 
تاريخ التسجيل: Sep 2004
المشاركات: 1,790
افتراضي

ايه والله

المدينة شي ثااني

يسلمووو العرب اهلي
__________________



مع تمنياتي لكم



كل الحب

[/CENTER]
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معالم في المدينة المنورة Dulli الاسلامي العام 3 26-03-2008 12:39 AM
فضائل المدينة المنورة بنت المدينة الاسلامي العام 6 19-04-2007 03:25 AM
المدينة المنورة في القرآن الكريم بنت المدينة الاسلامي العام 5 17-04-2007 08:52 PM
أسماء المدينة المنورة بنت المدينة ركن الذهبية العام 6 14-04-2007 10:08 PM
أوائل المدينة المنورة بنت المدينة ركن الذهبية العام 5 14-04-2007 09:49 PM


الساعة الآن 01:47 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd