الاقتصاد العربي المنكوب وغرف الإنعاش
احمد إبراهيم
اجتمع الأحد الماضي في منتجع فوكيت التايلاندي وزراء المال الآسيويون لمناقشة الأزمة الاقتصادية العالمية، ولتجديد العهد بين الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بالاضافة الى اليابان والصين وكوريا الجنوبية، ولإعادة هيكلة أو تسمية ما سمي سابقاً “صندوق متعدد الأطراف” الذي تبلغ قيمته 80 مليار دولار أمريكي لاستخدامه عند الطوارئ، ومناقشة رفع حجمه ليصل إلى 120 مليار دولار، وإعادة آليات توجيهه واستخدامه ك”أوكسجين” التنفس في غرف الإنعاش للاقتصاد المحتضر، ودول الآسيان الصفراء على الرغم من تجانسها عرقياً، يختلف كل على حدة في أنظمتها السياسية والاقتصادية وهي: بروناي وكمبوديا واندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام، واليابان لم تحضر هذا الاجتماع على مستوى وزير المال الذي أرسل ممثلا عنه، كما تحضرها سنغافورة.
الآسيويون (المتخلفون دائماً في نظرنا)، بدأنا نحسدهم اليوم على هذه المبادرة الاقتصادية بهذا القدر من التكاتف في وجه الأزمة التي تفاقمت وقد تدوم الى عقود وعقود إن لم تعالج بحنكة ووئام، ولا طبول حرب ستدق في القريب بين تلك الدول التي تحالفت في وجه النيران بسترة نجاة موحدة وقوارب إنقاذ مشتركة، بينما نحن في العالمين العربي والإسلامي على الرغم من الطبول - وكل الطبول - التي دُقّت للسلام بين الأديان والجيران والقارات والأعراق، لم تزل ترانيم الشحن والتشحين نفسها تتناغم يوماً بعد يوم من كل حدب وصوب.
ولم ننس ما قاله جورج بوش قبيل توديعه البيت الأبيض: "ما زلت ألتزم بتطبيق نظرتي لوجود دولتين ديمقراطيتين، "اسرائيل" وفلسطين، تعيشان جنباً الى جنب بسلام"، لكن على أرض الواقع لم نر إلا المزيد من الجثث وأشلاء الأطفال للشعب الفلسطيني المظلوم في غزة قبيل خروجه وبعيده.
دعنا نتفاءل بمنظار الحضور الاقتصادي الآسيوي هذا، لننظر به الى العرب ونأمل منهم حضوراً قوياً يجمعهم من المحيط إلى الخليج على ملحمة اقتصادية لا تفسدها شعارات "التطبيع" واللا تطبيع العربي "الإسرائيلي" المعهودة التي لم يخرج من يلحن لها بجديد . دعنا نحلم بقرار يتبناه الحضور العربي القوي المأمول بمبادرة موحدة قد تنقذ العالمين العربي والإسلامي معاً من فم الأسد، هذا المفترس الضاري الذي برز فجأة في وجوهنا باسم الأزمة الاقتصادية، وقد لا تغيب عن الساحة إن لم نعالجها متكاتفين.
دعنا نترك السلام جانباً ولو موقتاً ليس تشاؤماً به لأن التفاؤل به مستمد من الفطرة التي فطرنا الله عليها كإنسان الذي يحب معايشة بني جنسه الإنسان بسلام، لأن الاقتصاد هو حديث اليوم وأزمته المتفاقمة آناً فآن، ولأنه أيضا يعود بالحياة على السلام والتعايش السلمي بين أبناء المصالح المشتركة اقتصاديا في المنطقة التي نشاركها المناخ والطبيعة أبينا أم رضينا، فبيننا آبار النفط التي أنعمتنا بالرزق والرفاه من دون أن تبخل على المواطن والمقيم، وبيننا أغصان التين والزيتون والزعتر التي تنعش نازليها بظلال السلام، وتغني وتطعم وتسمن مستورديها بزيوت الصحة والسلام، وما الدبابات والطائرات العنقودية والقنابل إلا لتحرق أغصانها وتقتل مستظليها وتهدم بيوت مواطنيها فوق رؤوسهم . إنها أدوات تسللت إلينا خلسة لتحرق الأخضر واليابس متسترة باسم السلام. |
دعنا نحتفل بالإنعاش الاقتصادي ولو مرة واحدة من الألف الى الياء بكل أدواتنا المحلية (من دون الفيتامينات المستوردة)، وبالعود العربي الأصيل وبالغيتار واللحن العربيين، لنسجل في دواوين تاريخ العربي المعاصر مصطلح السلام الاقتصادي من جديد وبكلمات أدبائنا الذين لحنوا دائماً للسلام من عواصمهم وعلى رأسها أبوظبي والرياض والقاهرة وبيروت، فكانت دائماً واحات آمنة لمن يلجأ لها، فما من أحد دخلها آمناً إلا وشعر بالحفاوة والرومانسية وكأنه دخل جنة السلام.
ولأن أزمتنا اليوم اقتصادية وليست رومانسية وعلاجها في الطب الشعبي المحلي البديل، لا في الحبة السحرية المستوردة من لندن وباريس وروما، ولا في العصي الغليظة المغروسة في طوكيو ونيويورك، وإنما علاجها الوافي الشافي قد نجده مرة أخرى في صالوناتنا التي حج اليها يوما الإسكندر المقدوني وابن بطوطة والفرنسيون والاوروبيون وغيرهم من علماء الهند والفرس والرومان، وسجلوا في التاريخ بحروف من ذهب ان ينابيع الخير لا توجد الا في هذه المنطقة، فكما منها الطب للفارابي وابن سينا، كذلك منها الزراعة والصناعة والتجارة، ثم حشدوا أبناءهم على أبواب خيمنا ليتلعموا فنون وأسرار صناعة الشراع والقوارب الخشبية كما نحشد اليوم ابناءنا على أبواب المعاهد الأجنبية ليتعلموا فنون القمار بالأسهم والعملات.
اقتصادنا المحلي الحيوي كان قوياً، ما أفسد شرايينه إلا جرعات التطعيم المستورد، وقد نعيد إليه القوة والحياة إذا لم نراهن على الدبابات الأجنبية واعتمدنا على الجواد العربي الأصيل.
*نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية |