وفق تقرير أعدته "جدوى للاستثمار":
الإنفاق الحكومي سيلعب دور المحرك الرئيس للاقتصاد السعودي هذا العام
أكد تقرير اقتصادي أعده براد بورلاند رئيس الدائرة الاقتصادية والأبحاث في "جدوى للاستثمار"، أن التدابير الجريئة التي اتخذتها الحكومة السعودية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، أدت إلى تحسن الأوضاع المالية المحلية بدرجة كبيرة إضافة إلى طمأنتها المودعين والمستثمرين بشأن سلامة القطاع المصرفي. وتعني مجموعة التدابير التي تم اتخاذها، المتمثلة في خفض أسعار الفائدة وخفض متطلبات الاحتياطي الإلزامي وضخ السيولة في القطاع المصرفي أن عملية حصول الشركات السعودية على التمويل من المصارف المحلية أصبحت الآن أسهل مما كان عليه الحال في الفصل الأخير من العام الماضي، وبالفعل هبطت أسعار الفائدة على قروض البنوك بدرجة كبيرة. إلى التفاصيل:
كانت حدة الأزمة المالية العالمية قد أخذت تخبو منذ صدور آخر تقاريرنا الفورية في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، لكنها شرعت تتفاقم مرة أخرى في الآونة الأخيرة وإن لم تكن على مستويات أيلول (سبتمبر) نفسها، مما انعكس على أوضاع الائتمان العالمية في هيئة تسارع انزلاق الاقتصاد العالمي في مرحلة الركود. وقد جاء التراجع الأخير دراماتيكياً وشاملاً بحيث طال التباطؤ المتسارع حتى تلك الدول التي لم تعان قطاعاتها المالية مشكلات كبيرة أصلاً. وكان صندوق النقد الدولي قد أقدم في تشرين الثاني (نوفمبر) على خفض توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي لعام 2009 إلى 2.2 في المائة من تقديراته البالغة 3 في المائة منذ شهر واحد فقط، ولا تتعدى توقعاته بالنمو الآن 0.5 في المائة للعام نفسه وهي أدنى نسبة نمو منذ أربعينيات القرن الماضي. وفي ضوء هذه التطورات السلبية المطردة نعود مرة أخرى إلى إصدار سلسلة تقاريرنا حول مستجدات الاقتصاد العالمي وتداعياتها على المملكة العربية السعودية. ولما كان هذا التقرير هو الأول منذ ثلاثة أشهر فسيأتي متوسعاً إلى حد ما بهدف إطلاع قرائنا على آخر مستجدات الأزمة. كان من شأن البرامج الحكومية الضخمة الموجهة لدعم أسواق الائتمان والخفض الحاد في أسعار الفائدة أن طرأ تحسن في الأوضاع المالية عقب تدنيها إلى مستويات غير مسبوقة خلال أيلول (سبتمبر)، لكن حالة الشح تواصلت حيث لا تزال البنوك تتردد في توفير التمويل. وعلى الرغم من توخي البنوك الحذر بشأن الإقراض خلال فترات الركود حيث إن ارتفاع حالات الإعسار يعد أمراً طبيعياً، إلا أن بيئة الإقراض غير المواتية تدفع البنوك إلى تقليل ديونها (في إجراء يطلق عليه خفض الرافعة المالية) وتحسين نوعية محافظ القروض لديها وتشديد شروط الإقراض.
في الوقت ذاته ترك التوقف شبه الكامل لسوق التسنيد أو إصدار الأوراق المالية، الذي درج على تسميته "قطاع مصارف الظل" أثراً سلبيا واضحاً على عمليات إقراض البنوك. ويضم ذلك القطاع مختلف المؤسسات المالية، باستثناء البنوك التجارية، مثل صناديق التحوط والبنوك الاستثمارية وصناديق التقاعد التي تشتري القروض المهيكلة من البنوك التجارية، وقد أتاحت بتوقفها عن ذلك الشراء حيزاً في الميزانيات العمومية للبنوك لتقديم مزيد من القروض. وكانت عملية التسنيد هذه قد أسهمت في أن تسجل قروض الرهن العقاري الجارية في الولايات المتحدة زيادة سنوية من خانتين خلال سنوات فقاعة المساكن بين عامي 2003 و2006. وبالنظر إلى إجمالي قروض الرهن العقاري الأمريكية غير المسددة البالغة 13 تريليون دولار نجد أن نحو ثلاثة تريليونات دولار فقط مقيدة في دفاتر البنوك التجارية مقارنة بنحو عشرة تريليونات دولار لدى المؤسسات المالية الأخرى التي حصلت على معظمها من خلال عملية التسنيد. كان الاقتصاد العالمي قد بدأ في التباطؤ قبل اشتداد الأزمة المالية، حيث دخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود منذ أواخر عام 2007، ولكن تسارع وتيرة التباطؤ وانتشاره السريع حول العالم جاء إثر تفاقم الضغوط المالية بصورة دراماتيكية في أعقاب انهيار بنك ليمان براذرز في أيلول (سبتمبر). وقد نتج فوراً عن تلك الأزمة حرمان كثير من الشركات من الحصول على القروض كما أدت إلى تدهور الأنشطة التجارية وضعف ثقة المستهلك. وبدوره أدى هبوط أسعار الأصول والسحب السريع للتدفقات الرأسمالية الخارجية وانهيار أسواق الصادرات إلى تفشي التدهور الاقتصادي بسرعة إلى دول تتمتع بأنظمة مالية قوية. وقد انزلق كثير من الاقتصادات في هبوط لولبي الآن أرغم الشركات على إلغاء عديد من الوظائف مما يؤثر بدوره بدرجة كبيرة على إنفاق المستهلك ويؤدي إلى تقلص أرباح الشركات ويقود بالتالي إلى خسارة مزيد من الوظائف. ففي الولايات المتحدة يبلغ متوسط عدد الوظائف التي يتم إلغاؤها شهرياً نحو 600 ألف وظيفة (ولا يزال العدد في تزايد) فضلاً عن هبوط مبيعات التجزئة في ستة من الأشهر السبعة الأخيرة. أما الدول التي تعتمد بشدة على الصادرات ومن ضمنها المملكة العربية السعودية فقد تلقت الصدمة على نحو مفاجئ في الفصل الأخير من عام 2008، وتشير الأرقام الحديثة إلى تراجع الناتج الإجمالي في الفصل الأخير من العام الماضي على أساس سنوي معدل بلغ 13 في المائة بالنسبة لليابان وأكثر من 22 في المائة في تايلاند على سبيل المثال. وفي خضم هذه المعاناة التي يمر بها القطاع الخاص تسعى الحكومات عبر العالم جاهدة لإنعاش النشاط الاقتصادي وذلك من خلال خفض أسعار الفائدة وزيادة حجم الإنفاق وخفض الضرائب. ومن الأهمية بمكان مراقبة وتتبع السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الولايات المتحدة على وجه الخصوص، حيث تعد انتعاش أكبر اقتصاد في العالم عاملاً مهماً لدفع عملية الانتعاش الاقتصادي الواسع. وتميز الأسلوب الأمريكي لتحقيق الانتعاش بالجرأة والقوة في واقع الأمر، حيث تم تخفيض أسعار الفائدة إلى الصفر وضخت سيولة كبيرة في القطاع المصرفي كما وسّع البنك المركزي ميزانيته العمومية بالدخول في الأسواق ولجأ على سبيل المثال إلى شراء كميات كبيرة من الأوراق المالية (سندات دين قصيرة الأجل تصدرها الشركات) حتى يتسنى لها تمديد أجل الديون التي حان موعد سدادها، وتعرف هذه المشاركة في السوق من قبل البنك المركزي "بالتخفيف الكمي للقيود على الائتمان". وقد تم خلال الأسبوعين الماضيين الموافقة على الخطط الثلاث التالية لإنعاش الاقتصاد الأمريكي: - خطة الحافز الاقتصادي: تتألف من حزمة من عمليات زيادة الإنفاق والخفض الضريبي تبلغ قيمتها الإجمالية 787 مليار دولار وتهدف إلى إنعاش النشاط الاقتصادي. - خطة الاستقرار المالي: تنضوي هذه الخطة على شراء أصول وضخ أموال في القطاع المصرفي مع ضمانات تقدر تكلفتها بنحو تريليوني دولار، لكن لا يزال العديد من التفاصيل المتعلقة بالجانب العملي غير واضحة المعالم. - خطة الإسكان: ترمي هذه الخطة التي تبلغ تكلفتها 275 مليار دولار إلى تفادي نزع المساكن بالنسبة لتلك العائلات التي تكافح من أجل تسديد قروض الرهن العقاري، وتتضمن الخطة مبلغ 75 مليار دولار في شكل إعانات ومبلغ 200 مليار دولار للسماح للمقترضين الذين كانوا قد لجأوا إلى أخذ قروض الرهن العقاري من مؤسسات الإقراض المدعومة من الحكومة وهي "اني ماي" و"فريدي ماك" بأن يعاد تمويلهم بأسعار فائدة أقل. أما الغاية من هذه الدفعة الكبيرة لتلك البرامج فهي تحفيز الانتعاش الاقتصادي العام وخلق الاستقرار للقطاع المالي وإنعاش سوق المساكن. لقد تسبب سوق المساكن الأمريكي في سحب بقية قطاعات الاقتصاد إلى مرحلة الركود، ولذلك يعد وقف الهبوط في أسعار المساكن جزءاً مهماً من عملية الإنعاش، وبالمستوى نفسه لا يمكن إنعاش الاقتصاد حتى تعود الأوضاع المالية إلى طبيعتها. وتهدف عملية التحفيز على المدى القريب التي تتأتى عبر المزيد من الإنفاق والخصم الضريبي ـ إلى خلق زخم يقود إلى إنعاش قطاعي الإسكان والمال. ولكن ليس بوسعنا إلا الانتظار لنرى مدى فاعلية تلك الخطط، فبالرغم من أن حزمة التخفيضات الضريبية التي نفذت في وقت سابق بقيمة 168 مليار دولار أدت إلى نشاط لا بأس به في الاقتصاد الأمريكي في الفصل الثاني من العام الماضي إلا أنه جاء قصيراً ولم يفلح في الحيلولة دون حدوث مزيد من التدهور الذي نشهده اليوم. هناك عديد من المخاوف بشأن مستقبل نجاح مجموعة الخطط الحالية بعضها يرتبط بقدرة الحكومة على تنفيذ الحجم الضخم من النشاط المطلوب بصورة كاملة وبطريقة فاعلية بينما يرتبط بعضها الآخر بكيفية تحقيق أقصى عائد من هذا الإنفاق. ويمكن إجمال المخاوف في ثلاث نقاط، أولاها حقيقة أن برامج الإنفاق الضخم قد تكون أكثر فائدة في بلاد مثل الصين والمملكة العربية السعودية التي لا تزال في حاجة ماسة إلى البنيات التحتية، وثانيتها أن المستثمرين قد يميلون في ظل الظروف الحالية إلى ادخار ما يجنونه من برنامج الخصم الضريبي أكثر من ميلهم تجاه إنفاقه، وثالثتها يرتبط بتوفير المعلومات المفصلة بشأن خطة الاستقرار المالي، ذلك أن غياب التفصيل في هذا الشأن أدى إلى عدم قناعة الأسواق بمدى فاعلية تلك الخطط التي أعلن عنها حديثاً بدلالة أن مؤشر داو جونز الأمريكي أنهى تداولات يوم الجمعة الماضي قرب أدنى مستوى له خلال 12 عاماً.
وقد نتج عن تلك المخاوف هموم إضافية تتعلق بشكل حِزَم التحفيز الاقتصادي عبر العالم، فعلى سبيل المثال يؤدي تعاظم الدور الحكومي في الاقتصاد وخطط إنقاذ بعض العائلات التي اتخذت قرارات مالية خاطئة إلى حركة عكسية قد تقود إلى تقليص الفرص المتاحة للحكومة للقيام بمزيد من المناورات، وكذلك أدت بعض السياسات التي تم انتهاجها إلى زيادة المخاوف بشأن نظام حماية الإنتاج الوطني الذي غالباً ما يقود إلى تعميق وتوسيع الركود. وعلاوة على ذلك هناك قضايا اقتصادية على المدى البعيد تتعلق بحجم الدين الضخم الذي نتج عن الأزمة، ولكن يبقى القلق الرئيسي على المدى القريب هو كيفية إنعاش الاقتصاد.
لقد تبنت معظم الدول الأوروبية الرئيسية حزماً لتحفيز اقتصادها شبيهة بالحزم الأمريكية ولكنها لم تكن قادرة على إنعاش منطقة تضررت كثيراً بالانهيار السريع في الثقة وكذلك حجم الطلب في أسواق صادراتها. وتعد هذه المرة الأولى التي تلج فيها منطقة اليورو في خانة الركود منذ اعتماد اليورو عملة أوروبية وقد تسببت القيود التي تفرضها العملة الموحدة على خيارات السياسة الاقتصادية في مشكلات رئيسة في بعض أكثر الدول تأثراً وأهمها اليونان والبرتقال وإسبانيا. وتعد المشكلات في شرق أوروبا ووسطها أشد قسوة، حيث تعتمد دول هذه المنطقة بشدة على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية التي نضبت حالياً، وقد أدت المشكلات المالية في هذه الدول إلى خلق مخاطر كبيرة لبنوك الاتحاد الأوروبي التي تعد مصدر نحو 90 في المائة من القروض إلى المنطقة. سجلت الاقتصاديات الآسيوية بعض الانكماشات الكبيرة في النمو خلال الفصل الأخير من العام الماضي فضلاً عن بيانات غاية في الضعف حتى اللحظة الحالية من العام، وقد جاء هذا الأداء المتواضع رغماً عن سلامة القطاع المصرفي في المنطقة نسبياً من الأزمة المالية بفضل قلة تعرضه للأصول السامة. وقد تضررت بعض الدول في المنطقة جراء نضوب التدفقات النقدية، إلا أن التأثير الرئيسي على آسيا كان بسبب انهيار الطلب في أسواق صادراتها حيث تراجعت صادرات اليابان في كانون الثاني (يناير) بنسبة 45 في المائة على أساس سنوي وتراجعت صادرات كوريا بنسبة 33 في المائة وصادرات الصين بنسبة 17 في المائة. لكن الصين أعلنت عن حزمة محفزات اقتصادية ضخمة، بل ينتظر أن تكون المساهم الرئيسي في النمو الاقتصادي العالمي هذا العام باعتبارها واحدا من الاقتصادات الكبيرة القليلة التي ستحقق نمواً (في حدود 6 في المائة). كذلك يرجح أن تظل منطقة آسيا من أكبر عملاء الدين الحكومي الأمريكي. استقرت أسعار صرف العملات الرئيسية نسبياً مقابل بعضها بعضا في أعقاب التذبذب الحاد بين أيلول (سبتمبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)، كما عززت عملية خفض الاقتراض من قوة الين الياباني وقاد البحث عن ملاذ آمن إلى رفع قيمة الدولار الأمريكي مقابل اليورو والجنيه الاسترليني (وقد عزز الأخير من سعر الذهب). أما عملات الأسواق الناشئة وخاصة في آسيا وأوروبا الشرقية فقد تدهورت قيمتها بصفة عامة بسبب انتشار الركود. فمنذ أواخر العام الماضي هبطت الروبية الروسية بنسبة 17 في المائة مقابل الدولار كما هبط الوون الكوري بنسبة 20 في المائة وهبط الفورينت المجري بنسبة 23 في المائة. وبما أن قوة الدولار والين ليستا مدعومتين بمعطيات اقتصادية أساسية فمن الوارد أن تعكس الارتفاعات التي حدثت خلال الأشهر الستة الماضية اتجاهها بسرعة بمجرد أن تنفتح الشهية إلى المخاطرة. تداعيات الأزمة على المملكة تغيرت تأثيرات الأزمة المالية على الاقتصاد السعودي بعد تحولها من أزمة مالية إلى ركود اقتصادي خلال الأشهر القليلة الماضية. ورغم أن التدابير الجريئة التي اتخذتها الحكومة قد أدت إلى تحسن الأوضاع المالية المحلية بدرجة كبيرة إضافة إلى طمأنتها للمودعين والمستثمرين بشأن سلامة القطاع المصرفي، إلا أن أسعار النفط والأسهم انحدرت إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، وتشير الدلائل المتوافرة إلى أن النشاط الاستهلاكي التجاري أخذ في التراجع خلال الأشهر الأخيرة القليلة من عام 2008. وتعني مجموعة التدابير التي تم اتخاذها ـ المتمثلة في خفض أسعار الفائدة وخفض متطلبات الاحتياطي الإلزامي وضخ السيولة في القطاع المصرفي ـ أن عملية حصول الشركات السعودية على التمويل من المصارف المحلية أصبحت الآن أسهل مما كان عليه الحال في الفصل الأخير من العام الماضي، وبالفعل هبطت أسعار الفائدة على قروض البنوك بدرجة كبيرة. لكن ومن دون شك لم تعد الأوضاع إلى طبيعتها حيث نجد أنه رغماً عن هبوط أسعار الفائدة بين البنوك (الأسعار التي تقرض بها البنوك بعضها بعضاً) إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق (حالياً يبلغ سعر فائدة القروض بين البنوك لأجل ثلاثة أشهر 1.15 في المائة)، إلا أن الفرق بين سعر فائدة القروض فيما بين البنوك وسعر الفائدة المطبق على الشركات يعد بصفة عامة أعلى مما كان عليه قبل عام. ويظل توافر التمويل يمثل مشكلة لبعض المشاريع العملاقة وذلك لأن قطاع البنوك المحلية ليس كبيراً بالمستوى الذي يؤهله لتوفير التمويل اللازم لمثل تلك المشاريع. وكانت عمليات التمويل الكبيرة في السابق تتم من خلال قروض يوفرها تحالف ممولين من بينهم بنوك أجنبية وكذلك عن طريق جمع أموال من أسواق الأسهم والدين المحلية عبر الاكتتابات الأولية وإصدارات السندات وخاصة الصكوك، لكن البنوك الإقليمية والعالمية أضحت أكثر حذراً الآن إزاء الأسواق الأجنبية بينما تعد أسواق الأسهم والدين في الوقت الحالي مغلقة بصورة فعلية. لكننا لا نرى هذه القيود نفسها بالنسبة للمشاريع التي تمولها الحكومة، بل نلاحظ أن الحكومة تدعم بشدة برامجها للاستثمار الرأسمالي الذي يمتد لسنوات وبمقدورها أن تمول بسهولة هذا البرنامج عن طريق السحب من احتياطيها من النقد الأجنبي (بلغ صافي قيمة الموجودات الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" نحو 442 مليار دولار في نهاية كانون الأول (ديسمبر) وكذلك من ودائعها لدى البنوك المحلية (التي بلغت 64 مليار دولار بنهاية كانون الأول (ديسمبر). إضافة إلى ذلك اتخذ صندوق الاستثمارات العامة عدة خطوات لزيادة دعمه للمشاريع في المملكة. ويتوافر هذا الدعم الحكومي السعودي بالرغم من انهيار أسعار النفط الذي يعتبر مصدر ما يقارب 90 في المائة من إيرادات الدولة. أما التوقعات على المدى القريب بالنسبة للطلب العالمي على النفط فتأتي ضعيفة على الرغم من أن خفض أوبك إنتاجها ساعد على استقرار أسعار النفط عند نحو 40 دولاراً للبرميل، إلا أن رفع سعره فوق مستوى 50 دولاراً بشكل مستقر لن يتحقق إلا في حالة حدوث انتعاش واضح في الاقتصاد العالمي (في تقديرنا أن ميزانية المملكة لعام 2009 بُنِيت على افتراض أن سعر النفط سيبلغ 48 دولاراً للبرميل لخام غرب تكساس القياسي). لكن إذا كان سعر 35 دولاراً للبرميل هو أدنى مستوى سجله النفط أثناء أصعب فترات الركود خلال أكثر من 50 عاماً فذلك يعني أن التوقعات بشأن الأسعار على المدى المتوسط تبدو جيدة. كذلك أدى هبوط أسعار النفط مقروناً بالتراجعات الحادة في جميع أسواق الأسهم العالمية تقريباً إلى دفع سوق الأسهم السعودي إلى الأسفل، حيث نقدِّر في جدوى هبوط قيمة محافظ المستثمرين في سوق الأسهم السعودي بنحو 150 مليار دولار في الفصل الأخير من العام الماضي. وكان سوق الأسهم السعودي قد انخفض بنسبة 56 في المائة لكامل عام 2008 وأنهى العام متداولاً عند مكرر ربحية متأخر (لفترة عام سابق) يبلغ 12.7 مرة، وجاء عند أدنى مستوى له منذ ما يقارب خمس سنوات بحلول نهاية شباط (فبراير). لقد أسهمت كافة العوامل أعلاه في ضعضعة ثقة المستهلك وقطاع الأعمال كليهما، وبما أن المملكة لا تزال تعد حديثة عهد بالمعايير الأساسية لقياس الثقة فقد بنينا افتراضاتنا على التالي: - تراجع نشاط نقاط البيع (مؤشر لمبيعات التجزئة) وخطابات الاعتماد المفتوحة (مؤشر لإنفاق الشركات) على أساس سنوي في تشرين الأول (أكتوبر)، بينما تسارعت وتيرة الهبوط في الأشهر التالية. - تشير التقارير إلى هبوط مبيعات السيارات خلال الأشهر الأخيرة حيث يواجه المشترون صعوبة في الحصول على قروض التمويل، إضافة إلى مخاوفهم بشأن احتمال إفلاس كبريات شركات تصنيع السيارات، ويدور الحديث عن تخفيضات هائلة في الأسعار على نطاق واسع. - هبطت أرباح الشركات المدرجة في سوق الأسهم بشدة في الفصل الرابع، وكان الهبوط الأكثر حدة من نصيب الشركات التي يرتبط نشاطها بالأسواق العالمية (سواء كان ذلك من خلال الاستثمارات أو أسعار السلع أو أسواق التصدير) مثل شركات البتروكيماويات وشركات الاستثمار المتعدد، أما الشركات التي تحرك أنشطتها المعطيات المحلية مثل شركات التطوير العقاري فقد جاء تراجعها أقل حدة. (أنظر نشرتنا الشهرية لشهر شباط (فبراير) لمزيد من التفاصيل حول أرباح الشركات لعام 2008). نتوقع أن يلعب الإنفاق الحكومي دور المحرك الرئيسي للاقتصاد هذا العام وستكون الثقة هي العامل الأساسي في تحديد أداء القطاعات الاقتصادية غير المرتبطة بتنفيذ العقود الحكومية وأسواق الأسهم، حيث إن الثقة المحلية أصبحت تتأثر بشدة بما يحدث في الاقتصاد العالمي.