قطاع النفط.. قاطر للتنمية أم مُعوق لها!!
د. عبد العزيز بن حمد القاعد
لا يخفى على الجميع ما للنفط من أهمية حيوية ودور استراتيجي في تركيبة الاقتصاد السعودي. فمنذ تأسيس المملكة وهي تعتمد بعد الله على النفط، وباستعراض النسبة المئوية لتوزيع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 1999، نلحظ أن النفط يُشكل ما مقداره 58 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لعام 1973م ثم توالت هذه النسبة في الانخفاض لتصل إلى 28 في المائة عام 2005م، مع استمرار الاقتصاد بدعم الناتج المحلي الإجمالي بسبب ارتفاع أسعار البترول في السنين القليلة الماضية والذي أسهم بإيصال الدخل القومي للمملكة العربية السعودية إلى ما يُقارب الـ 366 مليار دولار عام 2006م، وغالباً ما يتأثر الدخل بشكل مباشر جراء تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية. يمتاز قطاع النفط بخصائص تميزه بوضوح عن بقية القطاعات التعدينية الأخرى، فهذه الصناعة تتطلب كما هائلا من الاستثمارات الرأسمالية وعليه فإن معدل الإنفاق فيها عال خاصةً في المجمعات النفطية التي تتطلب وفرة الكهرباء والماء والغاز وخلافه. ومن الحقائق أيضاً أن الصناعات النفطية ومشتقاتها تتصف بالتقدم التكنولوجي الهائل والذي يتزايد يوماً بعد يوم خاصةً أن هذا التقدم تترتب عليه عمليات فنية معقدة تتطلب مهارات تقنية عالية، كما أنها تتطلب استثمارات هائلة في مجال البحوث العلمية والعملية لتطوير وتجديد عملياتها إضافة إلى ارتفاع درجة المهارات الإدارية والعمالية المطلوبة لتشغيل هذه الصناعة. من هذا العرض يتبين لنا اعتماد هذه الصناعة وبشكل كبير على الآلات ونسبة ضئيلة من العنصر البشري شريطة توافر المهارات العلمية والقيادية العالية والإدارات التي تتجاوب وبشكل سريع وبكل مهارة وحذق مع التطورات التكنولوجية المتعاقبة لهذه الصناعة. في الواقع يُمكن النظر إلى هذه الصناعة من خلال درجة تشابكها الصناعي مع بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، وبيت القصيد هو حاجة القطاع النفطي من السلع والخدمات المُنتجة من قبل الصناعات الناشئة وحاجة الصناعات الناشئة من القطاع النفطي لاستخدامها في مراحل الإنتاج المختلفة ويُطلق عليها الاقتصادي المشهور ألبرت هرشمان بالروابط الأمامية والخلفية. يقصد هرشمان بهذا، قيام الصناعات الوليدة بإمداد الصناعة المُحفزة بالمستخدمات والمنتجات ويُطلق عليها الروابط الخلفية، أما الروابط الأمامية فتعني مساهمة هذه الصناعة النفطية ودورها في تمويل وتجهيز صناعات قائمة وجديدة وإمدادها بمنتجاتها كمستخدمات داخلة لهذه الصناعات. وبالمثل يمكن وبسهولة قياس الروابط الأمامية وذلك عن طريق احتساب النسبة المئوية للإنتاج الذي يدخل كسلع وسيطة للقطاعات الأخرى، أما الروابط الخلفية فتُحتسب عن طريق مشتريات القطاع الرئيس المُحفز من القطاعات الأخرى إلى قيمة إنتاج القطاعات الكلية. الانفصال بين قطاع النفط ومكونات الاقتصاد الوطني هو في الحقيقة ليس وليد اليوم أو الصدفة فقد غذته حقبة طويلة من سيطرة الشركات الأجنبية المُحتكرة والمُسيطرة على كافة مرافق قطاعات إنتاج الخام بدءاً من الاستكشاف والإنتاج وانتهاء بالتسويق وهذا الحال بالتأكيد ساعد على تقوية عرا الانفصام بين القطاع المُنتج وبقية القطاعات الناشئة. دمج هذا القطاع مع بقية مكونات الاقتصاد الوطني يتطلب جهوداً جبارة، مضنية، ومتواصلة وذلك من خلال إقامة صناعات قائمة على التصفية والتكرير وكذلك الصناعات البتروكيماوية كي تقوم صناعة رائدة وداعمة لبقية قطاعات الاقتصاد الوطني. من المتعارف عليه أن الروابط الأمامية لقطاع النفط أقوى من الروابط الخلفية خاصةً الصناعات التكريرية والكيماوية وصناعة التصفية، ولعل ضعف البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعامة والتي عاشتها البلدان المُنتجة للنفط قبل اكتشافه وقوة الشركات المُحتكرة أسهم بشكل وآخر في ديمومة هذا الفصل بين قطاع النفط وبقية القطاعات الاقتصادية.
من الوجهة العامة إذا القينا نظرة سريعة على اقتصادنا المحلي يتبين لنا الدور الفاعل للقطاع النفطي خاصةً في ظل ندرة الموارد المائية والزراعية التي يقوم عليها كثير من الصناعات الغذائية والتحويلية الأخرى، وبناءً على هذا فمن غير المُجدي الحديث عن قيام نهضة صناعية تنموية قائمة على القطاع الزراعي كمُحفز للتنمية الاقتصادية. وطبقاً لتقسيم الاقتصادي إيفرت هيجن، فالاقتصادات المعتمدة على النفط تتشكل من خمسة قطاعات رئيسية: قطاع النفط، البنك، المزرعة، السوق، وبقية العالم, وبناء على هذا التقسيم فمصدر الدخل يأتي من مبيعات النفط بالعملات الصعبة التي يتم تحويلها عن طريق البنك إلى العملة الوطنية ومن بعد يتم خلال البنك أيضاً إعادة تحويلها إلى الأسواق الخارجية لتمويل وارداتنا من مختلف البلدان من السلع الاستهلاكية اللازمة للتنمية وخلافها. بطبيعة الحال قطاع النفط سيكون مُحفزاً للتنمية خارج بلدنا إذا كان الهدف من الاستيراد الخارجي الاستهلاك الترفيهي وليس الإنتاجي. ولإلقاء الضوء على هذا الحال لنتأمل على سبيل المثال لا الحصر الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي حسب الأسعار الجارية، ففي سنة 2005م كانت نسبة الإنفاق الاستهلاكي إلى إجمالي الناتج المحلي في حدود الـ 50 في المائة بينما هي لإجمالي تكوين رأس المال الثابت في حدود الـ 16 في المائة لذات العام متضمنةً أكثر من 2 في المائة للتكوين الرأسمالي للقطاع النفطي، وهذه الأرقام تعكس ضخامة حجم الإنفاق الاستهلاكي مقارنة بالإنفاق الاستثماري في الأصول الرأسمالية الثابتة اللازمة للتنمية المُستدامة. لابد أن نعي جيداً أن الطفرات تأتي وتذهب لكنها على أية حال لن تدوم وبهذا نضع نصب أعيننا السعي لتوجيه مواردنا المالية إلى ما يحقق تنويع القاعدة الإنتاجية، مرحلة ما بعد النفط. الاهتمام بمشاريع البنية الأساسية التحتية من طرق، مواصلات، اتصالات، تعليم، وصحة كفيل بتحقيق الأهداف بما فيها من خفض لتكاليف الإنتاج. الدراسات الخاصة بالطاقة تؤكد أن النفط سينضب وفي هذه الحالة لابد أن نكون جاهزين لمواصلة المسير وإلا سنواجه مصير الأجداد الذين تناثروا في كل مكان من أجل البحث المُضني عن لقمة العيش. ومع الأسف الشديد ينشأ ناشئ الفتيان منا على الاتكالية وعدم إدراك قيمة العمل، وهذا يستوجب منا بذل مزيد من التوعية لتبصير الجيل الجديد بأهمية العمل والإنتاج وقيمتيهما ونخص الناشئة ببرامج توعوية هادفة بين ثنايا مناهج التعليم ومن خلال كافة المنابر الإعلامية. وبنفس المنطق من الأهمية توجيه القروض الاستهلاكية الوجهة الإنتاجية الصحيحة كالمساكن والمشاريع الإنتاجية الصغيرة وتقديم كافة التسهيلات اللازمة لتحقيق ذلك، كما أن لولي الأمر وبما يراه مناسباً ويحقق المصلحة العامة فرض ضريبة على السلع الفارهة وهذه معمول بها في أغلب البلدان فهي تُمثل مصدر دخل للدولة حيث يُوجه بطريقة ما لمصلحة صندوق الموارد البشرية وكذلك مُثبط لفرط الإنفاق الاستهلاكي على السلع الكمالية غالية الثمن. من المهم الإشارة إلى أن الوقت يمضي دون وجود رديف قوي للنفط كمصدر للدخل ما يجعلنا ندرك أهمية العمل الجاد من أجل الاستفادة القصوى من الفوائض المالية النفطية وتوجيهها من أجل خلق قاعدة صناعية وإنتاجية تناسب إمكاناتنا المتاحة حتى لا نقع تحت وطأة انخفاض الإيرادات المتكرر ويكون مصير مشروعاتنا التنموية الفشل لعدم القدرة مستقبلاً على توسعتها أو حتى صيانتها.