التحرّر من سيطرة الدولار

[مخاوي الليل]

ميشال مرقص

تواكب المجموعات «الجيواقتصادية» في العالم، تطوّر تداعيات الأزمة العالمية، وهي تجتاحُ أسس النظام الرأسمالي، وتدفع الحكومات ليكون لها دورٌ في التوجيه. ويتوافق أعضاء هذه المجموعات، على رسم سياسة تعاضد ومساندة، ليس فقط لاستعادة القدرة على النهوض، بل وأيضاً لاستيعاب تدهور قيَم عملاتها وتقلّص قدرتها الشرائية، تجاه عملات رئيسة بخاصة الدولار.

وفي الدورة المالية العالمية، بين حقبة وتالية، واجهت البلدان منفردة أو مجتمعةً، أثر سيطرة العملة الأميركية على أسواق القطع، سواء في قوتها أو في ضعفها، وبقيت إلى الآن اللاعب الوحيد، باستثناء دورٍ هامشي لليورو، على ساحة النقد العالمية. ويلاحظ حالياً، سعي المجموعات «الجيو اقتصادية»، إلى ابتكار طريقةٍ أو آلية أو إنشاء صناديق مال أو «خلق» عملةٍ موّحدة في ما بين أعضائها، شبيهة باليورو، بهدف فك ارتباطها بالدولار وتحرّرها من تأثيره.

فالعملة الأميركية، وعلى مدى أربعة عقودٍ، شكّلت محوراً «محيّراً» في الاقتصاد العالمي. فالمرحلةُ الانتقالية، إثر إلغاء اتفاق «بريتون وودز» واعتماد السعر المتموّج للعملات، بدل ربطها بالتغطية الذهبية، كشفت عن تعمّد الولايات المتحدة حرباً مالية «مستورة»، على سائر العملات، بخاصّة العملات الآسيوية. ولم يكن اتفاقا «بلازا» في 22 أيلول (سبتمبر) 1985 بين مجموعة الدول السبع (باستثناء كندا وإيطاليا) و»لوفر» في شباط (فبراير) 1987، سوى نموذجين لسعي الولايات المتحدة إلى إنقاذ اقتصادها. وشهدت المرحلة الانتقالية أشد صراع بين لاعبين أساسيين ضد الورقة الخضراء: المارك الألماني والين الياباني، وانتهت بمضاربة ورفع فوائد قابلته الولايات المتحدة، مع حلفائها، في اتفاق»بلازا»، باعتماد مبدأ تدخل الدولة في سوق القطع لخفض سعر الدولار، إنقاذاً لعجزها التجاري (3.5 في المئة من الناتج المحلي)، وخفض معدلات البطالة لديها، وتقليص الفائض التجاري لليابان. وقادت بريطانيا وأميركا أيضاً، ضغوطاً كبيرة ضد توسّع المصارف اليابانية في أوروبا وأميركا، محتلّةً المرتبة الأولى على الصعيد العالمي. ويتهم خبراء اقتصاد ومحللون، بريطانيا والولايات المتحدة، بأنهما وراء اعتماد مواصفات «بال» عام 1988 في سويسرا، التي تلزم المصارف الاحتفاظ باحتياط إلزامي يوازي ثمانية في المئة من حجم ودائعها، ما أدى إلى كبح توسع المصارف اليابانية ومن ثَمَّ أفولها واهنةً بعد تدهور بورصة طوكيو عام 1990. وفي الواقع ضُخّت، إثر اتفاق «بلازا»، عشرة بلايين دولار في أسواق القطع ليخسر الدولار مكاسبه أمام العملة الألمانية في حينه، ويتنازل عن 51 في المئة من قيمته تجاه العملة اليابانية، فيقود تنازله إلى اتفاق «لوفر» في فرنسا، بوضع حدّ لتدخل الدولة في سوق القطع، لكنه استمرَّ في التراجع.

السياق التاريخي يُعيد إلى الأذهان، الضغط الأميركي والأوروبي على استثمارات الصناديق السيادية، وتشريع قوانين تحول دون استثمار هذه الصناديق في ميادين اقتصادية قد تضرُّ بأمن الدول المتلقية للاستثمارات، قبل أن تعود أميركا والاتحاد الأوروبي، إلى استعطاف صناديق سيادية لدى دول الخليج العربي والصين، للاستثمار في مؤسسات مال أميركية وغربية قضت أزمة المال العالمية بانهيارها، وإقفال بعضها. ويقارن هذا السياق، أهداف «الدولة العظمى» من العولمة تارة، ومن تحرير التبادل التجاري في فضائها. فالهدف الأساس، سواء اضطُرّت إلى خفض قيمة عملتها أو تعويمها، أن تبقى مسيطرة على الاقتصاد. فالاستثمار بالعملة الأميركية، في الأسواق الآسيوية أو النفطية الناشئة، يهدّدها في الأزمات. وبرهن سحبُ الاستثمارات الأجنبية بالدولار من مصارف أو بورصات البلدان الناشئة أو المنتجة للنفط، في ظلِّ الأزمة الراهنة، أن هذه البلدان لا تزال تحت سيطرة «الدولار»، وأن الانعتاق منها أفضل وسيلة لحفظ هوامش الإنقاذ لدى حصول أخطار مصيرية. منذ 2002، وإثر الانكماش المتتالي بعد أزمة «الاقتصاد الجديد»، تعمّدت الولايات المتحدة خفض قيمة الدولار، لغاية 2008. وأسلست سياستها المالية لتلافي أخطار انهيار نقدي. فدفعت المصارف المركزية الآسيوية إلى شراء الدولار، وخفض قيمة عملاتها عن مستواها في سياسة تلاق مع أميركا، لتيسير انسياب الصادرات. وكذلك فعلت البلدان الناشئة الأخرى. لكن فائض السيولة لدى كل هذه البلدان، غذّى المضاربة على القروض العقارية الأميركية، وبعد عام 2007 على النفط والمواد المعدنية ومنتجات الغذاء... ويتجه مجلس التعاون الخليجي، ومجموعة دول «آسيان» إلى اعتماد «عملة موّحدة» لكل منهما في القريب العاجل، في حين أنشأت مجموعات أخرى صناديق لمواجهة تداعيات الأزمة الحالية، وتقدّم دولٌ مساعدات إلى دول صديقة في محيطها الجغرافي. وينتظر أن يتبلور عن قمة العشرين، نظامٌ مالي عالمي، يتخطّى «طموحات» الدولار. * نقلا عن صحيفة "الحياة" اللندنية.

[حب من الماضي]

تسلم يالغلا وما ننحرم من جديدك